موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

جريمة قتل تكنولوجية

إبراهيم سبتي

حين كان العراق مغلقا امام التطور التكنولوجي المذهل ، بات كل منا يتمنى أن تطاله لذة الحياة في ظل الإبهار المدهش للتقدم الصناعي .. وما ان فتحت الحدود وتحررت التجارة بعد سقوط التمثال المريع ، كدنا أن نفقد عقولنا أمام تدفق متطلبات العصر الحديثة .. فدخل الى البلاد ، كل ما كنا نتمنى ان نراه وكل ما كنا نسمع به ..

وأخيرا وليس طبعا هو اخر الأشياء ، دخل الموبايل ( الهاتف المحمول ) كترجمة حقيقية للثورة الاتصالاتية الانفجارية .. وصل هذا الجهاز الصغير الى كل بقعة من البلاد من أقصاها الى أقصاها حتى صار العراق من اكبر اسواق مبيعاته في العالم ، وكم كانت فائدته كبيرة ، سيما نحن شعب نحب التواصل ونحب ان نسمع من الاخرين وهم يتكلمون وهو امر جديد على اية حال .. الا انه كان بوجهين ، الأول مسالما والأخر فتاكا مدمرا .. المسالم هو الاستخدام البريء له والذي يعنى به اكبر مجموعة من الجمهور .. وغير المسالم هو الوجه غير المقبول المستغل من البعض في ادارة ابشع انواع الجرائم وما يحدث من تجاوزات وسرقات بواسطته طبعا .

فحين يريد البعض من المتلصصين ان يسرقوا شخصا مسافرا من مدينة الى أخرى ، فما عليهم الا ان يتصلوا بزميل لهم ينتظرهم في مكان ما في الطريق او في الكراج الاخر ، بعد وصول الضحية وتبدأ عملية تسليب لا مثيل لها وبشتى الطرق والتحايل والتمثيل المتقن في اداء الادوار .. وحين يدخلون إلى بيت أو مصرف أو دائرة للسرقة ، ثمة من يراقب الوضع من الخارج على اتصال دائم بهم .. تحركوا بسرعة ، احدهم قادم .. وهكذا ترسل التعليمات والاشارات عن بعد ، انه الموبايل العجيب ..

لكن ما حدث في إحدى قرى جنوب العراق .. قد يكون مروعا أكثر .. فتاة في السابعة عشرة من العمر ، تغتصب وتقتل عن طريق الموبايل ..

وجدوا في جهازها رقما متكررا في صفحة مكالمات مستلمة .

ولان التطور التقني للموبايل لم يتوقف عند إجراء المكالمات وإرسال الرسائل ، بل تعداها الى تأشير تواريخ المكالمات الفائتة والمستلمة وتوقيتاتها ..فقد عرفت الشرطة تاريخ آخر مكالمة وطبعا مع رقم المتصل .. وبدأت رحلة البحث عن صاحب الرقم المتصل .. البحث الشائك والمعقد ..اربعة اشهر من البحث المتواصل من قبل اهل الضحية المغدورة ومن قبل الشرطة التي استدلت على اسم صاحب الرقم من شركة الهاتف . ولكن المفاجأة ان صاحب الرقم انكر صلته بالجريمة .. قال ببساطة ان هاتفه فقد منه يوم وقوع الجريمة ! يا للصدفة .

ثم قال :

هاتفي يستعيره اصدقائي !

وهو تبرير غير مقبول في العراق ، لان الهاتف النقال بات ارخص الاشياء والسلع المعروضة في الاسواق واعتقد ان استعارة الموبايل ، خرافة او كذبة مفضوحة او قل انها ضحكة على ذقون السامعين .. وبعد تهديدات وجلسات عشائرية تبين ان اشخاصا اخرين قد ظهروا على المسرح .. صاحب الرقم يقول بأن جهازي ربما استعير مني وما اكثر المستعيرين لجهازي !!

وهنا تعقدت القضية اكثر وصار لها أذنابا وفروعا .. الفتاة قتلت ببشاعة ، هاتفها يشير الى رقم قاتلها ولكن التقنية مخادعة ايضا ، الجهاز انتقل الى اكثر من شخص حسب صاحبه .. وكلهم انكروا والبحث ما زال جاريا على سارق الموبايل المفترض ! من كان المستفيد اذن ؟

رحمك الله يا متنبي :

بذا قضت الأيامُ ما بينَ أهلها …. مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ

الفتاة المسكينة خسرت حياتها .. اهلها مازالوا يبحثون ..

التكنلوجيا قتلت الفتاة ..

يالمصيبتنا !!

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.