موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

"خبز على طاولة الخال ميلاد": رواية حصنت صاحبها من الجنون- وكالة ذي قار


فيما الروائي شكري المبخوت يترأس لجنة تحكيمها، تغيب الرواية التونسية عن ترشيحات بوكر خلافا للسنة الماضية، حيث سجلت حضورها بروايتين اثنتين: “الاشتياق إلى الجارة” لحبيب السالمي و”نازلة دار الأكابر” لأميرة غنيم.

والروايات المرشحة للقائمة القصيرة في دورتها الخامسة عشرة، وهي “ماكيت القاهرة” لطارق إمام، و”دلشاد سيرة الجوع والشبع” لبشرى خلفان، و”يوميات روز” لريم الكمالي، و”الخط الأبيض من الليل” لخالد النصرالله، و”أسير البرتغاليين” لمحسن الوكيلي، و”خبز على طاولة الخال ميلاد” للروائي الليبي محمد النعّاس، وهي صادرة على دار النشر التونسية مسكلياني (في 352 صفحة)، والأخيرة سجلت حضورا مهما مع البوكر سابقا.

 

وهذه أوّل مرة تصل فيها رواية ليبية لكاتب شاب إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية.

“أهدي هذا الفوز لأبناء أفريقيا، لليبيا وتونس والسودان والجزائر ومصر والمغرب وموريتانيا والصومال وأريتريا”، هكذا أهدى محمد النعاس روايته، مضيفا إليها: “طرابلس، مدينتي وساحرتي ومعذبتي، أنتِ بالنسبة إليّ، إلهامي الأول والأخير”، وفق تعبيره.

وأضاف: “أهديه لبلدتي، لتاجوراء، أمّي ومرتع طفولتي ومعلمتي. أنتِ “ليبيتي” كما تقول أمّي وجدتي من قبلها لأبي ولأمي اللّذين شكّلاني وأفراد عائلتي، ولزوجتي الغالية ولأصدقائي الصيّع ولقرائي الذين أحبهم”. 

محمد النعاس، القاص والكاتب والصحفي الليبي من مواليد 1991، حاصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية من جامعة طرابلس.

هو من أسرة تحب القصص، والده له ذاكرة مميزة من القصص الكوميدية والكوميدية السوداء والسياسية، تربى على حكاياته وحكايات عمّه، عائلته تملك قصة شفوية تعد من أقدم القصص الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في بلدته، وجد لنفسه مكانا في حين اختار وسيلة أخرى لقص الحكايات والقصص، ليجد نفسه كاتبا.

“لا نساوي شيئاً بدون القصص، حياتنا، تطورنا وملاحمنا تتمحور حولها، خيالنا الجامح يجعلنا دائما نفكر فيما قد يكون”.

جاءت فكرة الرواية من مَثَلٍ شعبيٍّ ليبيٍّ سَمِعه الكاتب مرارًا يقول: “عائلة وخالها ميلاد”، تخيّل الكاتب في لحظةٍ تجلّ قصّة ذلك الخال وعائلته، بدأ كتابتها على الفور مواظبا على الكتابة شهرا كاملا ثمّ توقّف، حين شعر بالفشل في فك اللغز الذي يحيط بالشخصية وقصّتها، ثمّ عاود التجربة مرّةً أخرى بأسلوبٍ مختلف، لم يكن يملك المكوّن المعرفيّ الثاني المتعلّق بصناعة “الخبز”.

وفي 2020 شهد العالم جائحةً عالميّة، تزامنت مع توقّفه عن العمل وعزمه على ألّا يعمل خارج الأدب والكتابة، فبدأُ بتعلّم تقنيات صناعة الخبز ودراسة الجوانب النظريّة لذلك، وكان يضحّي يوميًّا بما يقارب كيلو غرام من الدقيق وساعاتٍ من التجربة والانتظار والكتابة، مدونا ملاحظاته، وعندما تطوّرتْ مهاراته في صناعة الخبز، صار مطمئنًا لكتابة الرواية التي استغرقت أشهرا ستة.

 

ودخل بعدها في مراحل طويلة من إعادة الكتابة والتحرير، كان يعمل عليها يوميًا لأكثر من اثنتيْ عشرة ساعة، وهو يقيم في شقّته بمدينة تاجوراء، الضاحية الشرقية لمدينة طرابلس، تحت انقطاع الكهرباء المتكرّر ساعات وساعات، وتحت أصوات المدافع والقصف وأخبار الموت من المرض والحرب، وهكذا كانت الرواية عالمه وملاذه، بل كانت تعويذته من الدخول إلى مرحلة الجنون.

في حديث لمهند سليمان قال محمد النعاس: “أكتب وأنا أسمع موسيقى الروك أو الهيب هوب، هذا ما أفعله. أحضر قهوتي في الصباح، أبخّر المكتب برائحة “الوشق” ومن ثم أشعل سجائري وأختار قائمتي الموسيقية في العمل. في هذه الرواية، كان “الطقس” شبيهاً، ولأنني كنت أملك كل الوقت نظراً لكتابتي لها في ظروف جائحة كوفيد في 2020، كنتُ أستيقظ باكراً، أعمل على عجينة لخبزٍ جديد، قد يمتد العمل عليها لست ساعات هذه الرواية.

 

كتبتها على أصوات الحرب الليبية على العاصمة طرابلس، بعض فصولها كتبتها في صيفها الحارق بدون كهرباء إلا ما تبقى من شحن في جهاز الحاسوب، أذكر أحدَ الأيام قد احترقت جبهتي من الرطوبة والحرارة، بينما لم أتوقف عن كتابة فصلٍ ما لعشر ساعات متواصلة، هذه الرواية أيضا، شهدت تغيرا في ذوقي الموسيقي عند الكتابة، كنتُ أستمع لأحمد فكرون أو رشيد طه أو الشاب خالد”.

حضور القمح في الرواية لا يخلو من عمق: “علاقتنا مع القمح تشبه تلك التي تربط السيد بالعبد، هو السيد في هذه العلاقة ونحن عبيده، وعرفت أن هذه العلاقة ذاتها جعلتها مهووسة بالخبز. إنه يعمل على مستويات كثيرة في العقل البشري، لم يشبع الإنسان قبل اكتشافه الخبز”.

“خبز على طاولة الخال ميلاد” رواية يبحث الكاتب من خلالها عن التعريف المثالي للرجولة في مجتمعه. تدور أحداثها في مجتمع القرية المنغلق، الذي يبحث فيه “ميلاد” عن التعريف المثالي للرجولة المثالي حسبما يراها مجتمعه، يفشل طوال مسار حياته في أن يكون رجلاً بعد محاولات عديدة. كيف تقبلت زينب عرض ميلاد بكل تلك العفوية وتزوجته؟ هل كانت زينب تبحث عن الحرية هروبا من قيود المجتمع التي يحاصر بها كل امرأة ترغب في الحرية؟ هل عثرت زينب عما تريده في ميلاد فحولت مشاعرها إلى الحب؟ اضطلع الزوج بأدوار أوكلها المجتمع للمرأة، فيما تعمل حبيبته على إعالة البيت. 

في الرواية عرض لمشكلات المجتمع اللّيبي في قرية منغلقة، وإعادة مساءلة التّصوّرات الجاهزة لمفهوم “الجندر” وأفكار الجماعية المتطرّفة، وفي الرواية أيضا إدانة القوالب النمطية الجاهزة التي تحصر وظائف كل من المرأة والرّجل في أطر محددة.

 

 



المصدر

التعليقات مغلقة.