موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

ظلال الماضي

ميساء الهلالي /////

تكوّرت أصابعه واجتمعت في إتفاقية مخيفة ضد ذلك الخد الصغير ، أطاحت تلك الأصابع القاسية بالخد الصغير ، فهوى صاحبه أرضا ، ارتجفت دمعتان خائفتان ، إنهما تخشيان النزول خوفا من صفعة أخرى ، لاذ الصغير بالصمت ، لم يجرؤ على الوقوف مرة أخرى ، خارت قواه ، تلذذت الأصابع واستشفت بوقع الصوت المخيف على ذلك الخد الصغير ، رفع المصفوع يده ليحمي وجهه من لكمات أخرى ربما .

دوى الصوت الهائل ليوقظ عتمة الشتاء ، صرخ بأعلى صوته ، لحقت به الزوجة وهي تتمتم بكلمات غاضبة عن القسوة وآثارها ، يهز يده ساخرا ( انتِ لا تعرفين شيئا عن أصول التربية الصحيحة ، إنه ذكر ، لا بد من القسوة كي يصبح رجلا) .

أنت كاذب …….

صوت يلوك انسجة دماغه التي تحمل الكثير من الذكريات عن قسوة الماضي .

لم تورث القسوة في داخله من الرجولة شيئا ، بل لم تترك سوى آثار الضعف والخنوع ، هو حتى اليوم يظهر بمظهر الرجل القوي ولكنه غير قادر على الوقوف ضد أي تيار أقوى منه ، لقد ورث الخوف ، عجن القسوة في ملامحه ، إستساغ طعم الألم وهو يحطّ على جسده الصغير، لا يزال يذكر جيدا آثار حزام أبيه الجلدي وعصا الرمان وهي تترنح فوق جسده وهو يصرخ تحت وقعها من شدة الألم حتى أذبلت صرخاته كل ازاهير الرمان ، ولم تترك سوى فروعا كثيرة على ظهره .

لا تزال تحمل في داخلها غيضا ضده ، فهي تشعر حياله بالكره احيانا لأنه ليس أكثر من أبٍ قاسٍ ..

تنهدت بأسى وهي تمسح دموعا خرجت بصعوبة من بين عيني صغيرها ذو العشرة أعوام ، حتى الدموع تخشى الإعلان عن حاجتها للتحرر من مقلتيه خوفا من ردة الفعل القاسية .

أنت رجل . إن بكيت سأضربك .

هكذا كان يردد على مسامعه فيلتقم الألم ويمتص الدموع التي تخرج عنوة هاربة فيدخلها بين شفتيه المرتجفتين.

ـ أنت رجلٌ يا بني ، تحدث معه ، لا تترك له مجالا لإستخدام القسوة معك ، تصرف كالرجال كي لا يزيد من قسوته .

إبتسم الصغير وكأنه يطمئن الأم ، انا بخير ياأمي لا تخشي على ولدك من فرط صفعات أبٍ نال ما يزيد عن حاجته من السياط والعصي واللكمات فقط لأن والده كان يظن بأن الرجل لن يصبح رجلا إن لم يذق طعم القسوة .

مرة أخرى أرادت اليد القاسية الضعيفة أن تهوي على خد الطفل ، لكن الصفعة هذه المرّة تجمدت في الهواء قبل أن تستقر على خد الصغير .

ـ كنت دوما تحدثنا عن قسوة جدّي وكيف أثرت فيك حتى اليوم ، كنت تطلق تنهيدات حزينة وأنت تتذكر وقع الضربات على جسدك ، أولم تقل بأن قسوته لم تترك في قلبك ناحيته سوى الجحود . هل تريدني إبناً جاحدا؟

صفعت كلمات الصغير الذي خرج من صمته الطويل لأول مرة وبمباركة الأم كي يعلن أمامه بان الابوة ليست في ممارسة القسوة ، الأبوة أن تكون صديقي فأكون لك إبنا بارا أزاح يده من عتمة الهواء الذي ضمها ليستعد ويطلق صفعة أخرى ، نظر طويلا إلى عيني الصغير التي تلبّدت بالخوف أكثر ، فهو اليوم دافع عن حقوقه ، لا بد وإن فنون القتال ستطبق على كافة أنحاء جسده ، ولكنه لن يخاف بعد اليوم .

أدار الأب ظهره ومشى في ممر المنزل ذاهبا نحو غرفته وقبل أن يصل الغرفة أدار وجهه ونظر إلى إبنه بعين حنونة هذه المرة قائلا

ـ أكرر الفعل الذي كرهته طويلا . أنت اليوم تعلمني معنى ان اكون أباً حقيقيا.

دخل غرفته وأغلق الباب خلفه وسط دهشة خليطة بفرحة الإنتصار لاحت على وجه الصغير وأمه.

 

 

ميساء الهلالي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.