موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

خزعل المفرجي كما عرفته

سلام كاظم فرج   ///

salam_kadomfaraj

وما من عادتي أن اكتب رثاء لموت صديق أو عزيز.. ربما تمر أعوام وشهور لكي يجد  موته صدى في جملة أقولها . أو نص اكتبه. فالموت عندي  شبح مخيف اتجنب مواجهته .

 

وأحاول أن أبعده  قدر الإمكان. على المستوى الشخصي. اعتبر  موتي المحتوم واجبا  ودينا لابد أن أؤديه..(ولابد يوما أن ترد الودائع..)… لكن مع الأحبة الأمر مختلف جدا.. احاول ان انسى انهم ماتوا.!.او أتجاهل الامر.!!. رغم مافي ذلك من شطط واختلاف مع السائد والاعراف.. حين مات عامر رمزي  وكان من اقرب الاصدقاء الى قلبي. لم اكتب عنه سوى سطرين استعرتهما من الشريف الرضي.(. أعلمت من حملوا على الأعواد.. أرأيت كيف خبا ضياء النادي؟). وحين مات محمد زريويل. ولي معه صداقة ورسائل محبة لم اكتب سطرا واحدا. حتى من باب التعزية والواجب… ذلك لان الألم كان اكبر من القدرة على التفكير العقلاني. وها أنا اكسر هذه القاعدة بالنسبة لخزعل. لا لكي أرثيه. بل لاستعيد ذكريات جميلة. وكأني أحدثه بها. لكي تسعده..

 عرفت المفرجي كاتبا يكتب القصة القصيرة جدا.. وله ومضات وقادة.. ورأيته مهموما بالشأن  الوطني العراقي. وشاعرا مقلا..ينشر قصائده في الصحف والمواقع بفترات متباعدة.. وقرأت له كتابات نقدية متميزة عن قصائد وكتابات وجدت صدى طيبا عنده.. كتب عن تجربة الشاعر عمر السراي والشاعرة جوزيه الحلو وآخرين. وله دراسة جيدة عن رواية الفالس الاخير لكونديرا .. لكن خزعل المفرجي الانسان كان اكثر سطوة على ذائقتي من خزعل المبدع.. لقد التقيت به اكثر من مرة في مؤتمرات اتحاد الادباء ومهرجانات أدبية  في كربلاء والحلة وبغداد.  وسهرنا معا في غرف مشتركة في الفنادق. .. كان يتميز برقة وتواضع قل نظيرهما. ويتميز بالسؤال الملهوف المتلهف عن مصير العراق ومصير الإبداع.. عرفت منه انه يضطر لترك عائلته ويسافر الى دول الجوار ومنها ايران. لكي يوفر وضعا اقتصاديا مريحا لعائلته فراتبه التقاعدي لا يحقق أمنيته بوضع مريح لأولاده ومعظمهم طلبة في الجامعات. كان يقضي  الايام والشهور بعيدا عن بلده وعائلته الصغيرة.. لكن شوقه لاصدقائه الذين تعرف عليهم من خلال الانترنيت يضطره للجلوس طويلا في مقاهي الانترنيت رغم تكاليفها الباهضة. لكي يعلق على كتابات زميلاته وزملائه. وقد تميز برقة الشعور في مخاطبة الاخرين. وتميز بالاطراء الباذخ للجميع. وعرفت عنه جملة. اديبتنا المبدعة. واديبنا المبدع يكتبها قبل أذان الفجر.. كان يستغل نقاوة البث بعد منتصف الليل وتوفر الكهرباء لكي يمر على الجميع ويسلم عليهم بسطر او سطرين. قلت له ذات مرة. إنك بهذا تفقد مصداقية  رؤيتك النقدية. فقال ببساطة. هو سلام للأحبة وتحية صباح… وصباح الخير.. السلام على الاحبة عبادة.. راهنته مرة على أن أسبقه في التعليق على نصوص لسامي العامري وسعد الحجي وحمودي الكناني..فقال لن تستطيع.. فوقت ساعتي على النهوض عند الثالثة فجرا لكي اسبقه  وفتحت المواقع التي اعرف انه سيدخل عليها فوجدته وقد دخل على الجميع بجملة مبدعتنا الطيبة ومبدعنا الطيب… الأديبة الرائعة فلانة  حياك الله. الاديب المبدع فلان  يا توأم روحي حياك الله… قلت له يا خزعل . هذا جنون. فقال اوليس الشعراء كلهم مجانين.؟. نعم انا مجنون بالحب. الست مجنونا حين وقت ساعتك عند الثالثة فجرا؟؟. أجبته. صدقت..

 الم يذكر القرآن الكريم الشعراء ويقرنهم بالغواية؟؟ اجبت.. صدقت!!!. وانا اكتب عن المفرجي راثيا ومؤبنا .. اعتقد إن النيت والسكائر والكتابة من الاسباب التي دهورت صحته مبكرا..

 حدثني عن عائلته وزواجه فقال ان وقوف زوجتي معي في محن الحياة.. جعلني لا اطيق فراقها لحظة واحدة ولا استجيب لكل الإغراءات في الدول التي كنت أزورها.  كنت ألاطفه وأمازحه وأقول.. هم علينا؟؟  فيصدق مداعبتي ويقول بكل النقاء. اقسم بالله العظيم. ..

كنت مدعوا إلى مؤتمر انتخابي  في اتحاد الأدباء.. وقد ارتأت إدارة المؤتمر أن يفسح المجال للمبيت في الفنادق للزملاء من المحافظات الشمالية والجنوبية. ويكتفي من كان سكنه في بغداد او المحافظات المجاورة بالإدلاء بصوته والعودة الى بيته.. كان نهارنا حافلا بالنقاشات وتبادل الاراء وحين جاء المساء اخبرت الزميل  المشرف أني أفضل المبيت في الفندق على العودة إلى مدينتي فاعتذر بحرارة متعللا أن الأسرة المحجوزة لا تكفي. فما كان من خزعل إلا أن يضغط على يدي هامسا لا عليك. أنا أحل هذه المعضلة. قلت له. وكيف؟ قال لا عليك. عند تناول العشاء. سألته. كيف ستحل المعضلة؟؟!!

 قال أنا  أنام على الأرض وأنت تنام على سريري!!

قلت له مازحا. ولكن بشرط. فقال بلهجته الميسانية الكريمة المحببة..(يجرالك). أي قل ما تريد وسأنفذ.. قلت أن لا نتحدث بالسياسة ولا بشؤون الأدب والثقافة!!! فقال. حلو.. لعد شسوي بيك؟؟!!. أي ما فائدة بقاءك معي. وضحكنا.. وكانت السيكارة رفيقتنا حتى مطلع الفجر. والسياسة.. ومستقبل العراق. ومستقبل الثقافة.. ومستقبل العلم. والبشرية جمعاء.. قبل أن ننام بعيد الساعة الرابعة فجرا قلت له.. سوف ننام ساعتين أو أكثر بقليل. عندما نستيقظ .. تذكر أننا قد تعبنا جدا. وشرقنا وغربنا ودخنا ما يكفي من السكائر لكي نموت بالذبحة القلبية. لنتفق. عندما ننهض من النوم.. لا تدخين. لا حديث في السياسة. ولا في شؤون الاتحاد وهموم الثقافة..   يكفينا إلقاء النكات والمزح إلى أن نغادر كل إلى طريق. فأمن على كلامي.. (والله صحيح). حين نهضت في الثامنة وجدته يدخن..بعد إلقاء تحية الصباح. قلت له هذا أول خرق لاتفاقنا. فأجاب. .(بروح أبوك سلام.. هل تعتقد أن الصين ستنجز مشروعها في الاشتراكية؟؟؟؟!!! أم ستنكفيء كما حصل للسوفيت؟؟؟)

 رحمك الله يا خزعل. أيها الأخ الحبيب. والأديب المبدع. والإنسان النقي النبيل.. وليرحمنا . ويساعدنا على الصبر.

 

 

خاص بالمثقف: لمناسبة رحيل الشاعر العراقي خزعل المفرجي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.