موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

المخرج والكاتب محمد سمير طحان قصة- وكالة ذي قار


دمشق – هدى العبود

أكد المخرج والكاتب محمد سمير طحان لـ «الأنباء» أن فيلم «بوظة» روائي قصير يجسد حياة طفلة عانت من ويلات الحرب التي أفقدتها أهلها بسبب الإرهاب، لتبقى بمفردها في قريتها النائية في أحد جبال منطقة الزبداني بريف دمشق مع الثلوج والطقس البارد والقاسي.

وأضاف طحان: يحتوي الفيلم على مفاجأتين، في القسم الأخير منه يسرد منذ بدايته ذكريات الطفلة «منى» بطريقة الأجزاء المركبة (البزل)، وهي تدخل العاصمة دمشق لأول مرة متوجهة للحفل الذي سيتوجها بالمركز الأول ضمن مسابقة عالمية لرسومات الأطفال، لتتكون مع تداعيات الذاكرة البعيدة والقريبة لدى المشاهد صورة واضحة عن القصة وما يراد منها.

وتابع: اعتمدت في الفيلم على إظهار العالم النفسي للطفلة بطلة الفيلم، ومناخاتها الخاصة، فسخرت الصورة والمكان مع التكثيف الكبير لإيصال الأفكار عبر إظهار الجماليات وتضادها مع الحالة التمثيلية حينا، وعبر معاني وتفاصيل الكادر والمشهد في حين آخر، الى جانب الاعتماد في الغالب على ما تحكيه الصورة والموسيقى بعيدا عن الكلام.

وأردف طحان: حرصت على أن أقدم خلال الفيلم عدة مستويات من المشاهدة بحيث يمكن لأي مشاهد أيا كانت خلفيته الثقافية والمعرفية والبصرية أن يتلمس معاني العمل ويلتقط أفكاره، فبالمستوى الأعلى جاء الفيلم ليكرس نظرية المعالجة النفسية للأطفال عن طريق الفن، وإعادة تأهيل من تعرضوا منهم لصدمات نفسية عنيفة بسبب الحرب عبر اكتشاف مواهبهم ودعمها وتنميتها مع احتضانهم بكثير من الحب بعد أن يفرغوا آثار ذواكرهم الانفعالية السلبية من خلال مواهبهم الفنية.

واستطرد: «بوظة» استغرق خمس سنوات قبل أن نبدأ بتصويره اليوم، وقصته ترمز إلى حلم أي طفل من أطفال سورية في ظل الحرب الإرهابية التي عانينا ونعاني منها بهدف تسليط الضوء على هذه الشريحة المتعبة التي يجب الأخذ بيدها وترميم أرواحها وإعادة بناء ذواتها بما ينعكس إيجابا على مستقبل سورية التي نحب، ونعمل من أجلها، علما أن الفيلم فاز بمسابقة للنصوص أقامتها مديرية الإنتاج التلفزيوني في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون قبل عامين، وتم تأجيل إنتاجه لظروف إنتاجية حتى تم إدراجه مع خطة هذا العام، ونأمل أن نشارك بهذا الفيلم في المهرجانات السينمائية الخارجية لإيصال الصورة الحقيقية لما عاناه ويعانيه الشعب السوري من جراء الحرب الإرهابية على سورية وآثارها التدميرية على الإنسان السوري، وخاصة الأطفال.

وردا على سؤال يتعلق بصعوبة التعامل مع الأطفال وضبط إيقاعهم خلال التمثيل، أجاب طحان: أصعب أنواع الدراما هي التي يكون صناعها من الأطفال، وتحكي عنهم البطلتان الأساسيتان وهما طفلتان واحدة في عمر الخامسة والثانية في عمر العاشرة، وهذه لا شك مغامرة ولكنها محسوبة النتائج من خلال التحضير الجيد والمراهنة على مواهب مبشرة في المستقبل سواء الأطفال أو الوجوه الشابة التي لعبت بقية الأدوار.

وأضاف: سبق لي أن قدمت فيلم «اللعبة» عام 2015، وتطرقنا من خلاله لحياة المرأة السورية جراء فقدانها شريكها وسندها في الحياة، وكيف استطاعت أن تتجاوز كل الصعوبات لتنهض من جديد وتتابع مسيرتها في المجتمع، كما قدمت فيلم «إشارة حمرا» عام 2017 ويحكي عن ضغوط الحياة بسبب الحرب وما نتج عنه من تسرب الكثير من الأطفال بعيدا عن التعليم والمدارس لضرورة العمل وتأمين قوت يومهم مع أسرهم، ودعوت مع التحذير لضرورة الانتباه لهذه الشريحة وإيلائهم كل الرعاية والاهتمام، وبعدها جاء فيلم «رائد فضاء» عام 2018، وتدور أحداثه حول فقدان الأب لدى الطفل وقسوة الحياة على من لا سند له، وقدمت بذات العام فيلم «قضبان المدينة» ويحكي عن تشرد الأطفال وحياتهم البائسة في الشارع دون أهل بفعل الحرب، ومؤخرا انتهيت من العمليات الفنية لفيلم «أماني» الذي اختزلت في عنوانه معنيين هما في غاية الأهمية لكل طفل «الأمان والأمنيات» وفيه قدمت قصة طفل ذي حساسية عالية تجاه الفنون وعالم الخيال، والذي يجبره زوج والدته على ترك المدرسة والعمل معه في جمع الخردة والمخلفات من حاويات القمامة لنكتشف مع سير الأحداث بحث هذا الطفل عن أمانه وأمنياته عبر حكاية تخيلها لتكون الصدمة في النهاية، والتي حملت صفعة لكل مدعي رعاية الطفولة في العالم، وهم يتجاهلون آلام الطفل السوري ومعاناته.

وعن المسرح، قال طحان: كان الاهتمام بشريحة النساء خاصة الشابات منهن، قدمنا نموذجا لفئات بعدة مستويات عبر سرد حكائي فيه من التشويق بقدر ما يحتوي من مواضيع تدعو وتحرض على التفكير لاستنباط الحلول السياسية والاجتماعية والثقافية، فقدمت مسرحية «الطين الأحمر» عام 2019، ومسرحية «تماس» عام 2021، وفي كليهما دمجت الفرجة المسرحية بالمشاهدة السينمائية فكانت نوعا من التجريب على مستوى الكتابة والإخراج لتقديم منتج فني يحاكي العصر ويحدث أثرا مختلفا في نفس وفكر المشاهد.

وختم المخرج والكاتب محمد سمير طحان لقاءه مع «الأنباء» قائلا: حقيقة كان اهتمامي بالإنسان السوري والتركيز عليه خلال سنوات الحرب مشروعي الخاص الذي أعمل عليه بدأب، وفي عدة مستويات، وبشكل تكاملي، من خلال مهنتي الأساسية في الصحافة المكتوبة والإعلام المرئي، الى جانب كتابة القصة القصيرة، بالإضافة الى ما قدمت من سيناريوهات وأفلام سينمائية بشقيها الوثائقي والروائي القصير مع المسرح وأهميته وضرورة استمراره بمهمته الفكرية والمعرفية، وجاء هذا المشروع الفني الفكري بداية كنوع من محاولة مداواة النفس لأعالج ما ألمّ بي من انكسارات وصدمات على الصعيد الشخصي، ولأمارس دوري الفكري والثقافي والفني في مساعدة أبناء شعبي ومجتمعي ليتلمسوا طريق الخلاص، وهو مشروع مستمر لن يتوقف للانتقال من هوة الحرب وأثارها لطريق النهوض والحياة، على أمل أن نصل يوما لما نصبو إليه كشعب يحب هذه الأرض ويعشق الحياة، داعيا الله تعالى أن يكون وطننا العربي بعيدا عما أصاب وطني سورية من ويلات الحروب وتداعياتها والأفلام والمسرحيات التي عملنا عليها خلال سنوات الحرب تعتبر درسا لكل من تسول له نفسه أن يلعب بحياة أبناء وطنه.

يذكر أن المخرج طحان كان قد فاز في المسابقة الأولى لسيناريو سينما الأطفال التي أطلقتها المؤسسة العامة للسينما عن نص فيلم «الدمية المحاصرة»، لتكون البداية مع عالم كتابة السيناريو، وبعدها قام بإنجاز فيلم «اللعبة» كتابة وإخراجا بمساعدة عدد من الأصدقاء من دون وجود جهة إنتاجية له، وعرض على هامش مهرجان «سينما الشباب والأفلام القصيرة» بدورته الرابعة، كما أنجز فيلم «إشارة حمرا» ليشارك في المهرجان ذاته بدورته الخامسة، وينال تنويها في تظاهرة «أيام دمشق السينمائية» ضمن مسابقة لجنة التحكيم، كما شارك في الدورة السادسة من المهرجان بفيلمين هما «رائد فضاء» من تأليفه وإخراجه، و«قضبان المدينة» من تأليفه وإخراج فادي رحمون، كما فاز فيلم «بوظة» في مسابقة اختيار نصوص الأفلام القصيرة التي أطلقتها مديرية الإنتاج في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وقدمت مسرحيته الأولى «الطين الأحمر» تأليفا وإخراجا على خشبة مسرح «القباني»، ضمن مشروع «دعم مسرح الشباب»، إذ فاز النص بموافقة لجنتي قراءة في مديرية المسارح والموسيقى، وكان النص السوري الوحيد للكبار من بين النصوص الخمسة الفائزة بالمنح، وهو عرض «مونودراما» تدخل فيه السينما إلى جانب الأداء الحي على الخشبة لتقديم فرجة بصرية من نوع مختلف عما يقدم عادة في المسرح السوري.



المصدر

التعليقات مغلقة.