موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

«الزعيمان»… دراما ليبية تنقّب في التاريخ بحثاً عن «القدوة»- وكالة ذي قار


مخرج المسلسل لـ«الشرق الأوسط»: الأحداث تتناول دور الباروني والسعداوي في صد الاحتلال الإيطالي

رسّخ فيلم «عمر المختار» للمخرج العالمي مصطفى العقاد، في ذهنية المشاهد العربي إحساساً عاليا بقيمة وشخصية المناضل الليبي الراحل، بالشكل الذي ظن البعض معه عدم وجود شخصيات ليبية مماثلين للمختار في القدر، ومشابهين له في المقدار؛ من هذه النقطة انطلق المخرج الليبي أسامة رزق، للبحث في سِير أبناء وطنه الأقدمين ليتوقف عند شخصيتين يُنظر إليهما على أنهما من أهم الرموز الليبية المؤثرة في تاريخ البلاد، وهما «سليمان باشا الباروني»، و«بشير بك السعداوي».

يقول رزق «أردنا تسليط الضوء على جزء من تاريخ ليبيا، لم يسبق تناوله درامياً، من خلال خطة عمل مع المنتج وليد اللافي، وتم الاتفاق على أن نتناول في الجزء الأول من (سلسلة أعلام ليبيا) شخصيتي الباروني والسعداوي، عبر مسلسل من عشرين حلقة، مقرر عرضه بعد أيام في شهر رمضان المقبل».

وأوضح رزق في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن «العمل الذي تم الانتهاء من تصويره في تونس وكتبه المصريان عزة شلبي وأحمد نبيل؛ وهو مسلسل ناطق باللغة العربية الفصحى، يشارك فيه مبدعون من ليبيا، وتونس، ومصر، والمغرب، والجزائر، وسوريا، والأردن، ويحفل بتجسيد شخصيات ورموز ليبية، من بينهم الملك الراحل إدريس السنوسي، لكن في خطوط جانبية موازية بما يغطي تفاصيل هذه الفترة التي يعالجها المسلسل، بما يعني أننا لا ننتقص من زعمائنا المعروفين، لكن لا نستطيع الإحاطة بالجميع في عمل تلفزيوني واحد».

والدراما في ليبيا ظلت رهناً للنظام السابق، كباقي القوالب الفنية، ويرى رزق أنها تشهد نوعاً من النضوج الآن، وباتت «تتضمن على محتوى، لكن تظل كمية المعروض قليلة، حيث لا يمكن المنافسة بإنتاج عمل أو عملين، في ظل غياب تام للدولة».

ورأى رزق، أن «الظرف الراهن الذي تعيشه البلاد دفعهم لاستدعاء شخصيات وطنية كتبت تاريخ ليبيا، وكان لها دور في وحدتها واستقلالها بالروح والدم والعلم»، وقال «هذا المسلسل فرصة جيدة في ظل الأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد من انقسام حاد وحرب أهلية، بالإضافة إلى عدم وجود شخوص بارزة تقود المرحلة، وبالتالي كان ضرورياً أن نوضح للأجيال الحالية أن لدينا شخصيات ضحت من أجل ليبيا، وعلينا أن نقتدي بها في تقدم التضحيات».

ويتناول «الزعيمان» الفترة بين عامي 1887 و1923، بالتركيز على دخول الاحتلال الإيطالي إلى ليبيا، وكيف تم التصدي له بالنضال والسلاح والمعارضة والذهاب إلى دول العالم لطرح القضية الليبية، من خلال خطوط عريضة توضح إلى أي مدى تفانى الباروني والسعداوي من أجل تحرير ليبيا، ونيل استقلالها.

وتحدث رزق عن أن المكتبة الدرامية في ليبيا «عانت فقراً كاملاً في المسلسلات التاريخية»، وأرجع ذلك إلى أن «حقبة القذافي التي مُنع فيها الحديث عن هذه الشخوص، النظام كان يرى أن أي شيء قبل عام 1969 غير موجود، وأن التاريخ الليبي يبدأ من هذا العام (…) وسيلاحظ كثير من الليبيين عند متابعة المسلسل أنهم لا يعرفون شيئاً عن هذه الشخصيات، علماً بأن اطلاع الناس ارتفع بعد ثورة 17 فبراير (شباط)».

منطلقات رزق في هذا العمل حددها في محورين، الأول ضرورة تقديم هذه الرموز الليبية في عمل تاريخي كي يسهل على الأجيال الجديدة متابعة أبطالهم، مدركاً وهو يقدِم على ذلك أن الدراما ليست كتاب تاريخ، أو مستنداً رسمياً، والمحور الآخر تمثل في أن الدراما تتبنى طرحاً للحقائق مع روية ومعالجة في خطوط مختلفة وفي حوارات ومشاهد تشكل مضامين ورسائل وإمتاعاً أيضاً.

وحول اختيار الباروني والسعداوي ليستهل بهما «سلسلة أعلام ليبيا»، قال رزق «ليس هناك سبب، فالمخرج مصطفى العقاد اختار شخصية عمر المختار، وكانت هناك شخصيات ليبية كثيرة، فهذه حرية الاختيار (وإن كانت الدولة هي التي فرضت عليه عمر المختار)، لكن الباروني والسعداوي شخصيتان عظيمتان تاريخياً، ولم يسلط عليهما الضوء، والناس ستكتشف ذلك، وعندما بدأنا البحث حول الشخصيتين وجدناهما حافلتين بمواقف مدهشة، من الشجاعة والوطنية والتضحية، وهذا تجسد في تحركهما دولياً ضد الاحتلال الإيطالي». ومع ذلك قال رزق «في الأجزاء المقبلة من (سلسلة أعلام ليبيا) من الممكن أن نتناول حياة إدريس السنوسي».

ويجسد شخصية بشير السعداوي الفنان الليبي صالح القراد، أما شخصية سليمان الباروني فيجسدها الفنان المغربي ربيع القاطي؛ ويقدم الممثل محمد عثمان شخصية نوري السعداوي، بالإضافة إلى مشاركة الفنانين عبد الحميد التايب، ونضال كحلول، وأيمن النخيلي الذي يجسد شخصية إدريس السنوسي.

ورزق هو مخرج ليبي، ولد 13 فبراير عام 1981 في العاصمة الليبية طرابلس، ويعمل مخرجاً درامياً منذ عام 2004؛ حصل على الماجستير في علوم التلفزيون والسينما عام 2018، وأخرج عدداً من الأعمال، من بينها مسلسل «زنقة الريح»، و«دراجنوف وعياد وروبيك»، بالإضافة إلى فيلم «العشوائي».

وفضّل رزق أن يترك للمشاهدين والنقاد حرية التعبير عن آرائهم في مسلسل «الزعيمان»، لكنه فقط أرد بهذه العمل كما يقول، أن «يضيف شيئاً إلى مكتبة الدراما التاريخية»، التي رأى أنها «ظلت رهينة لحقبة القذافي فلم تقدّم إلا أعمال تتناول تاريخ النظام وأمجاده».

وزاد زرق «كان هناك كثافة إنتاجية، في عهد القذافي بغض النظر عن جودتها؛ وذلك لأسباب، من بينها عدم وجود منافسة بين القطاع الخاص، وأيضاً لأن النظام كان يستميلهم إلى ذلك، وبالتالي لم نر أعمالاً أو مسرحيات تنتقد نظامه، فضلاً عن ذلك فإن النظام «كان يحرص أن يكون للفنانين مصدر رزق حتى يستمروا في تقديم أعمال تتناول تاريخه».

ويُنظر إلى بشير السعداوي وسليمان الباروني على أنهما من أبطال استقلال ليبيا، ومكافحة الغزو الإيطالي، حيث سعيا جاهدَين بين كل أقطار العالم من أجل قضية بلادهما. وقال الكاتب الليبي الراحل الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه عن شخصية السعداوي بأنه «قائد النضال السياسي من أجل الاستقلال في ليبيا الأربعينات، وينتمي إلى جيل من زعماء الوطن العربي الأفذاذ».

ورأى الفقيه، أن «السعداوي يصلح أن يكون مثلاً وقدوة نهتدي بهما، ليس في ليبيا فقط، ولكن في كل زمان ومكان، فكان يقود الحراك السياسي في ليبيا، عندما كان مصطفى النحاس باشا يقود الشارع السياسي في مصر، وكان فارس الخوري وشكـري القوتلي وجميل مردم يقودونه في سوريا، والحبيب بورقيبـة وصالح بن يوسف يقودانه في تونس، ومحمد الخامس وقائد ثورة الريف المغربي عبد الكريم الخطابي يقودانه في المغرب، وإسماعيل المهدوي وعبد الرحمن المهدي يقودانه في السودان، وأقران لهم يقودونه في بقية أقطار الوطن العربي في مرحلة التحرر الوطني والكفاح من أجل الاستقلال». كما حظي الباروني وفقاً لمؤرخين ليبيين «بالقدر نفسه؛ لكونه يعد من ألمع قادة النضال في ليبيا».

ولفت رزق إلى أن هذا العمل الذي يعرض حصرياً على قناة «سلام» الليبية وفي توقيت مختلف في بعض القنوات العربية، هو نتاج 6 أشهر من البحث وتجميع المواد التاريخية من 7 دول عربية، بداية من عام 2019، واستغرق كتابة السيناريو خمسة أشهر، ومرحلة للتحضيرات، و11 أسبوعاً في التصوير، وقال «تم تصوير العمل في 6 مدن تونسية، بالإضافة إلى بناء الكثير من الديكورات الخارجة والداخلية، مثل شارع الحسين بالقاهرة، وشوارع إسطنبول، وطرابلس، وتونس، وسوريا.

وذهب رزق إلى أن الفريق التقني تمكن من ابتكار تقنيات كثيرة «تستخدم للمرة الأولى في تاريخ الدراما العربية» لإنجاح مشاهد مهمة في المسلسل، وهذا كله كان بسبب حب الفريق لهذا المشروع بعدما استشعروا أنه مشروعهم الخاص».

وانتهى المخرج الليبي موضحاً «قمنا في مشهد أعدم فيه 14 مجاهداً بميدان الخبزة، وهو حدث مهم في تاريخ ليبيا سُمي بسببه ذلك المكان بـ(ميدان الشهداء)، فعلقنا 14 ممثلاً فوق الحبال بطريقة احترافية يظهرون وكأنهم معلقون من رقابهم، وهذا تطلب الاستعانة بمعدات خاصة جداً لم تستخدم في السابق، بالإضافة إلى التفجيرات والمجازفات في (معركة جندوبة)».





المصدر

التعليقات مغلقة.