موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

الشاعر فارس إسكندر: أغنية «الوجع» غالية وجروحها تتجاوز الصوت والكلمات- وكالة ذي قار


قال الشاعر فارس إسكندر إن مشاهداته أوجاع وآلام أمهات الشهداء مباشرة عبر الشاشة الصغيرة، ولّدت عنده غصّة، لم يعرف ترجمتها سوى بالغناء. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «انفجار بيروت كان أليماً، وراح ضحيته شهداء كثر من الشباب والصبايا. ولعل والدة الشهيد حمد العطار حرّكت لديّ كل مشاعر الوجع الذي يمكن أن يصيبني من قرب. فعندما رأيتها تبحث عن ابنها في المستشفيات وتسأل ببراءة: (ابني حلو ومليح وعيونو عسلية، حدا شافو؟) لم أستطع تمالك نفسي وركضت أؤدي كلماتها ضمن أغنية عنونتها: (ابني حلو ومليح)».
وتحولت أغنية إسكندر إلى نشيد الحزن الذي يرافق مشاهد الانفجار على شاشات التلفزة. كما تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي لتداولها بكثافة عبر الناشطين. ويعلّق فارس إسكندر في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إنها المرة الأولى التي أغني فيها، فمهنتي هي كتابة الشعر والقصائد التي يغنيها عدد من نجوم الفن. لم يخطر ببالي يوماً أن أغني أو أن أخرج صوتي إلى العلن وأعبر من خلاله عمّا يخالجني من شعور وأحاسيس».
والمعروف أن فارس إسكندر يكتب لنجوم الغناء في لبنان، أمثال إليسا (عبالي حبيبي)، ونانسي عجرم (شيخ الشباب)، وفارس كرم (نسونجي)، ونجوى كرم (تعا خبيك)، وميريام فارس (حسيت بأمان)… وغيرهم. وخصص والده بأغان انتقادية كتبها له؛ فحصدت نجاحاً واسعاً، مثل «من أين لك هذا؟» و«جمهورية قلبي» و«غرفة عمليات» و«إيد من حديد»… وغيرها.
ويشير إسكندر إلى أن نجاح أغنية «ابني حلو ومليح» وانتشارها يعود فيها الفضل الأكبر لوالدة الشهيد، ويقول: «كتبت كلمات الأغنية كما ذكرتها هي تماماً، لم أعدل فيها إلا قليلاً، وعندما غنيتها بكيت تأثراً. فلقد كنت متألما لما يحدث في لبنان وحزين على شهداء من منطقتي في الهرمل. كل ذلك جمعته في هذه الأغنية التي هي من ألحاني».
وعمّا إذا كان سيعيد الكرّة ويقدم أغنية أخرى من قلب موضوع بيروت المنكوبة، يردّ في معرض حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «قد يعتقد البعض أن المسألة تجارية بحتة، فيقومون بإصدار أغنيات من هذا النوع. ولكن صدقاً أغنية (الوجع) غالية جداً، ولا يمكن تبنيها إلا من خلال مشاعر عميقة ومؤثرة. جروحها تتجاوز الصوت والكلام. وهنا يلعب إحساس الفنان الدور الأكبر، فيترجمه بأغنية أو بكلمات ولحن. وهذا الأمر لا يحدث إلا نادراً، إذا كان نابعاً من القلب».
ويرى الشاعر والملحن فارس إسكندر أن الفنان في لبنان كغيره من المواطنين يعيش المآسي فتلمسه عن قرب… «إننا نمر بأوقات دقيقة منذ أكثر من سنة، وكل يوم يقع على رؤوسنا خبر أسوأ من الذي قبله. ومع أن الفنان هو مرسال فرح وأعماله بمثابة بارقة أمل يلاقي بها جمهوره، فإنها تبلسم الجراح في أيام العتمة. وفي الأيام الصعبة يصبح الغناء بمثابة كماليات. وهذه الكماليات لا يمكن استخدامها إلا عندما نرى وطننا معافى ولو بنسبة مقبولة».
ويصف فارس إسكندر نفسه بأنه «شاعر اللحظة»، ويقول: «يجب على الفنان الحقيقي ألا يغش الناس. وفي أوقات الكوارث والمصائب عليه أن يقدم ما يليق باللحظة. وبما أن هذه اللحظات كارثية، فنشاطاتي شبه معدومة».
ومن ناحية ثانية، يؤكد إسكندر أن الاستسلام لليأس غير مقبول، وأمام منظومة حاكمة وفاسدة يجب أن ننتفض؛ لا أن نخضع… «علينا أن نجتهد ونعمل من أجل التغيير. وأنا كفنان أقدم موهبتي في خدمة شعبي».
وكان فارس ووالده محمد إسكندر قد تعرضا في العام الماضي لمساءلة قضائية حول أغنية لهما. وصدر عن قضاء الأمور المستعجلة قرار يقضي بحذف عبارة «مصرف الإسكان» الواردة في كليب أغنية للثنائي؛ الأب والابن، تحمل عنوان: «من أين لك هذا؟». «عندما قدمت هذه الأغنية قامت الدنيا ولم تقعد. ولكن ما وصل له المواطن اللبناني اليوم وحرمانه من الحصول على ماله في المصارف، يؤكد أن ما ورد في الأغنية المذكورة كان حقيقياً وينبع من الواقع».
اتخذ فارس إسكندر من شعره سلاحاً يحارب به على طريقته: «إنني أقاتل وأثور من خلال الشعر الذي أكتبه. وشاركت في المظاهرات أكثر من مرة لأنني من اللبنانيين الذين يرغبون في بناء وطن حقيقي».
ويشير فارس إسكندر إلى أنه حالياً بات يشعر بالذنب ويخجل من كون مواطنين غيره قدموا أنفسهم على مذبح الوطن واستشهدوا من أجله. ويعلق: «مع الأسف؛ فإن هؤلاء فرضت عليهم الشهادة ولم يختاروها… وهو ما يحزّ في قلوبنا ويحزننا».
وعمّا إذا كانت تجربته الأولى مع الغناء ستفتح له مجال دخول هذا العالم من بابه الواسع؛ يجيب: «لا أعتقد هذا بتاتاً. فأنا متمسك بالمجال الذي أعمل فيه، ولا أفكر بتاتاً بالغناء. حتى إني أعدّ نفسي استطعت استحداث خط جديد في عالم الكلام المغنّى، وهو ليس بالأمر السهل، كما يخيل للبعض، بل يتطلب أسلوباً مباشراً يترك وقعه على سامعه فلا يمر مرور الكرام. فالميكروفون لا يعني لي شيئاً، ولا طموح عندي لأصبح مطرباً». ويتابع: «قد أغني مرة جديدة في مناسبة الاحتفال بعودة بلدي إلى حياته الطبيعية. فأنا ابن كلمة الواقع، وأرى ذلك واجباً عليّ أن أقدمه لوطني».
وعمّا عاشه لحظة انفجار مرفأ بيروت، يقول: «كنت لحظتها في منطقة (الجديدة) بضواحي بيروت ننتظر وصول مولود جديد لأخي الأصغر. وفي المستشفى الذي رأى فيه حفيدنا النور كانت المشهدية قد طغى عليها طابع الحزن… فالجثث والأشلاء والجرحى الذين وصلوا إلى المستشفى كانوا بالعشرات. وهو ما ولّد عندنا شعوراً بالأسى، فوجدنا أنفسنا نتألم بدل أن نفرح».



المصدر

التعليقات مغلقة.