موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

عدويه الهلالي ترصد معاناة المهاجرين برواية لكل إنسان ليل

عدويه الهلالي

ترصد معاناة المهاجرين

برواية لكل إنسان ليل

رجاء حميد رشيد- العراق

 

أنهيت قراءة رواية “لكل إنسان ليل” للمؤلفة ليدي سالفير ترجمتها عن الفرنسية الصحفية عدويه الهلالي الصادرة حديثاً عن دار المدى ، ثيمة الرواية تدور حول صراع المهاجرين ومعاناتهم في بلدان المنافي عامة (والعرب المسلمين خاصة ) ، ويبدو أن المؤلفة جسدت عقدة رفض الآخر من خلال معاناة المهاجرين وكيفية تعامل المجتمعات النازحين إليها من خلال تجربتها الشخصية، حيث ولدت سالفير اوتينيفيل لزوجين من الجمهوريين الاسبان المنفيين إلى جنوب فرنسا منذ نهاية الحرب الأهلية الاسبانية ، والدها أندلسي ووالدتها كتالونية ، أمضت طفولتها بالقرب من تولوز في بيئة متواضعة لمستعمرة من اللاجئين الأسبان ، وبعد حصولها على شهادة الطب من جامعة تولوز ، تخصصت في الطب النفسي من اجل رصد دواخل الناس ، تعرضت سالفير نتيجة ظروفها المعيشية كلاجئة إلى المهانة بسبب تقصيرها  اللغوي في تعلم اللغة الفرنسية فهي تتحدث لغة فرنسية متعثرة تشوبها اللهجة الاسبانية

(لغتها الأم)، كما عرفت التهميش الاجتماعي على خلفية الانتماء إلى بيئة عمالية، وعلى خلفية النشأة في منزل بسيط كان يشعرها بالعار.

فالكاتبة هي وليدة بيئتها، استطاعت بروايتها نقل مشاكل اللاجئين ومعاناتهم، فالكتاب ليس رواية عادية بل هو مشكلة كل إنسان اجبرته الظروف لترك موطنه خاصة في البلدان الغير مستقرة التي تعرضت للحروب ونزاعات مسلحة وانعدام الأمن فيها، والبحث عن حياة أفضل في بلاد يسودها الأمن والسلام، صدرت هذه الرواية عام 2017 عن منشورات سول الفرنسية.

بطل الرواية يدعى أنس (35 سنة) هو سليل عائلة من المهاجرين الأسبان من عام 1939 مرت عبر معسكر اعتقال، حصل عل الجنسية الفرنسية ونشأ في ضواحي باريس، تعلم ومارس تدريس اللغة الفرنسية، يصاب بصدمة بسبب إصابته بالسرطان، واضطراره إلى الخضوع للعلاج مدى الحياة، فيقرر التخلي عن وظيفته كمدرس فرنسي وعن زوجته ومنزله ومنطقته والهرب بعيداً للانزواء في قرية جنوبية تقع على بعد 500 كيلومتر بالقرب من مدينة بارون، حيث يتلقى العلاج في معهد سانت كريستوفر مرة واحدة من كل أسبوع.

 كراهية الأجانب واستبعادهم

تتصاعد وتيرة أحداث الرواية حينما يستأجر انس المثقف المؤمن بالأفكار الإنسانية حجرة لدى أندرية سيمون (ديدي) وزوجته الانتقامية دنيس وابنه داميان المدمن على الكومبيوتر، وبين رواد مقهى الرياضة شخصيات الرواية المختلفة وهم صاحب مقهى الرياضة مارسلين لابلاس، زوج فيلومينا الأندلسية ووالد اغسطين، وزبائن مقهاه ديدي وإميل وجيرار وجاك وإتيان. وتدور في المقهى نقاشات يتزعمها مارسيلين حول رفض الغرباء أو رفض الآخر، حيث حرصت الكاتبة على تناول قضية فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت لتصعيد النقاش ضمن إطار سياسي لما رافق الحملة الرئاسية من تحريض على كراهية الأجانب واستبعادهم.

جوبه انس برفض التعامل معه وحتى التحدث إليه من قبل أهالي القرية التي لجأ إليها ظناَ منه بانه سيجد الراحة والاستقبال اللطيف من ” مقهى الرياضة” حيث صدم في يومه الأول عند دخوله للصالة عندما لم يرد على تحيته احد، وتفاجأ عندما قدم يديه لمساعدة امرأة مسنة وما أن رأت يديه تمسك بسلتها، حتى صرخت بذعر، وتتوالى صدماته وخيبات أمله في مكان أقامته الجديد، وكانت محاولته النادرة للتحدث مع احدهم تصطدم بجدار شائك من الريبة:” فمنذ

وصولي لم اضطر لقول أكثر من عشرين جملة، لدرجة إنني خشيت فقدان قدرتي على الحديث، كنت أتساءل عن الوقت الذي يلزمني لأتمكن من المحافظة على علاقتي مع الآخرين، إذا ما فقدت القدرة على استخدام لساني؟” (ص 26)،

وكان الشيء الوحيد الذي يمنحه بعض الهدوء ويمده بالحياة، هو تلك المكتبة القريبة التي عثر عليها، ليحظى ببعض الراحة في مكان تشغله كائنات صامتة وغير مبالية بالآخرين.

رفض المسلمين العرب

أطلق عليه أهالي القرية  اسم (الغريب ) الذي شوش عاداتهم  ووصفه ديدي احد شخوص مقهى الرياضة ، بأنه الصوت النشاز الذي يبرز لنا عند الاستماع إلى قطعة موسيقية حفظناها عن ظهر قلب ، و صرير غير لائق أو صفير يخترق آذاننا بوحشية ( ص 32 ) ، دأب انس أن يكون متحفظاً من الداخل والخارج مع اخذ الحيطة والحذر من رجال الشرطة لأنهم قبضوا عليه ذات مرة لاشتباههم بكونه عربياً خاصة وانه ذو سحنة وشعر داكنين يشار إليه كشخص مشبوه  يرمقونه بنظرات غريبة ، حيث يعتقدون بان ابتعاده عن منزله خطأ يستحق الاحتقار ويمكنهم معاقبته عليه وهذا ما أشعره بالحزن وتذكيره بأجداده المهاجرين .

يخبر داميان أحد شخوص الرواية انس عن تساؤلات والده وجميع أولئك الذين أثار وصوله فضولهم وشكوكهم بالكثير من الأسئلة على أمل الحصول على أية تفاصيل عنه، هل ينتمي إلى بلد عربي؟ وأي بلد؟ لماذا جئت لأضيع هنا، ولماذا ولماذا؟ وهل كنت مسلماً كما دار في خلدهم عندما شاهدوا بشرتي الداكنة وشعري الأسود المجعد جداً؟ هل أنا مسلم عادي، أم شديد الإسلام؟ وبعبارة أخرى مشتبه به بالتشدد؟ وهل أفلت كلاماً مخالفاً للوطنية او معادياً للمسيحية صراحة؟ أين أخبئ أموالي وأسلحتي؟  كانوا قلقين بشأن حياتي الماضية ونواياي الحالية، المبهمة للغاية في نظرهم، وأنني أخفي حقيقتي بحجة ادعائي المرض، حتى اسمي يعني لهم اسماً إسلاميا، وتواصل النقاش لفترة طويلة حول خطر الإسلام الذي لخصه مارسيلين بتشبيهه بالكائن الخرافي ” الهيدرا” ذات الخمسة عشر رأساً

يؤكد بطل الرواية انس في (ص51) لقد جاء فعل هؤلاء الأشخاص على أية حال بتذكيري بعنف تلك الفجوة الموجودة بين ما كنت اعتقد أنني أصبحت عليه بفضل العمل والإصرار، مدرساً للغة الفرنسية مع حصانة كاملة ومندمجاً في النظام الاجتماعي، وبين التصور المختلف كلياً الذي أخذه زبائن المقهى عني، طالما اعتقدوا أنني عربياً، أو بالأحرى مسلم، اعتقد أنهم متشابهون في

ذلك، فقد حسبوني عربياً، ما يعني أنني لابد أن افهم لاحقاً ما الذي يجعلني مشبوهاً في نظرهم، كان لتصورهم عني تأثير صفعة قوية، وبدا لي كل ما بذلته من جهود منذ إن كنت في الثامنة عشرة من عمري لكي ينسى الآخرون المكان الذي نشأت فيه، ولكي أصحح سلوكيات شعبي وأتسلق السلم الاجتماعي عن طريق الدراسة، ربما ستنهار فجأة وتتركني عارياً.

صور تثير الذعر عن المهاجرين

احتل انس أو الغريب كما أطلق عليه أهل القرية، حيزاً كبيراً من أحاديثهم بعضهم (من الذين بدأ عددهم يتناقص تدريجياً) يدافع عن قضيته، والبعض الآخر يشغلون أنفسهم بالحديث عن ظروف تثير الذعر تغذيها تلك الصور التي يبثها التلفزيون عن المهاجرين المنهكين، المذعورين الذين يتضورون جوعاً (تلك الوجوه المقتلعة من جذورها التي تثير رؤيتها ردود فعل سيئة)، كانوا يقولون إنها هبطت على الشواطئ الايطالية لتغزو ارض وطنهم بعد ذلك كأنها طيور شؤم.

عاد انس إلى حجرته قلقاً مندهشاً ومتفاجأ كليا، من الرجل الذي أصبح عليه، رجل مريض، وحيد عاجز تماماً، رجل مجرد من كل شيء وبائس، عار وبائس مثل كلب سائب يمكن أن يثير قلق أو أي أحد أو بالأحرى نصف قرية، يعود تاريخها

إلى القرن السابع عشر، وتقطنها عوائل تجذرت فيها منذ زمن سحيق وقررت البقاء فيها، انعكست معاملة القرية له فبات انس كما يقول في (ص81) ” صرت اعتقد ان حقن (تيروكسترات) المخصصة لتدمير الخلايا الخبيثة، بدأت تدمر ايضاً قدرتي على التعامل بلطف ودماثة ومحبة مع الآخرين، إذ لم يتبق لدي الا مزاج كئيب وعدائية كامنة يمكن أن تنفجر بغضب، وبقايا كبرياء فقيرة، ووجه متجهم منفر “.

الغريب عدو طبيعي لكل التجمعات البشرية

اكتشف انس حقيقة وضعه في القرية بعد أن كان لديه إحساس أن بمقدوره إعادة اختراع حياته وإعادة  تشكيلها بشرط الذهاب إلى مكان بعيد ليتخلص من شخصيته السابقة ، فتحول حلمه الى فخ ، وتبقى تلك البديهية بان الغريب عدو طبيعي لكل التجمعات البشرية ، و يحاور انس ذاته في (ص 88)  ” لم أحاول تغذية أي وهم بشأن مصير الأجانب ،كما قلت لنفسي ، فقد كنت اعرف قصة عائلتي ولم انس يوماً أجدادي الاسبان قد تم استقبالهم في فرنسا في شباط 1939  بلا ترحاب كبير ، لذا أدركت أني سأخضع حتماً ، كوني وافداً جديداً ، لضغينة اقل أو أكثر عدوانية ، لكني كنت مقتنعاً بأن العمل الجاد والصبر والمثابرة لابد ان تساعدني على التغلب عليها ، ، مع ذلك ، فقد حدث العكس ، فبينما

كنت أكافح بالكاد من اجل أثبات وجودي، كان لدي انطباع مؤلم بان ما افعله لا يعني شيئاً للناس هنا …

بعد كل هذه المعاناة طلب انس موعدا مع عمدة القرية الذي بدا له منذ لقاءه الأول ، شخصاً طيباً ، ويتحلى بأخلاق عالية ، استقبله العمدة بمكتبه الرسمي ، فروى انس كم تلقى من الاهانات والمعاناة ، وانه أصبح رجلاً مطارداً من أهالي القرية ، غير مرغوب به ومجرماً ، وان القرية تريد استبعاده ، وهم بهذا يستبعدون قدرتهم على التعايش مع الآخرين والانفتاح عليهم ، وسأله عمدة العمدة عن أصوله الاسبانية وعن وصول أجداده إلى صبر ، بان المحنة التي مررت بها حالياً لا علاقة لها بالطبيعة المؤلمة للتجارب التي عانى منها آبائي وأجدادي ، وبصفته عمدة المدينة سيستخدم تأثيره ووظيفته ، وجعل إقامتي اقل صعوبة ، أثارت زيارتي للعمدة  التي انتشرت في القرية مثل النار في الهشيم ، ما تسبب في تصعيد وتيرة التوتر الكبير بالفعل،  وان القرية  بأكملها تتحالف ضدي وأنني أصبحت العدو اللدود ، حيث تلقيت ثلاث رسائل نصية مجهولة المصدر في الصباح ، قالت الأولى ” خائن ، لعنك الله ” ، وحملت أمضاء ” فرنسي مخلص ” ، ووصفني الآخر ب “الدخيل القذر” ، أما الأخيرة   ، فيبدو أنها مرسلة من شخص ضليع في الجغرافيا ، إذ كانت تنصحني بالعودة إلى مدينة بومباي

، وكانت الجملة متبوعة بثلاث علامات تعجب.

لم يتوقف انس من التفكير في الرسائل القصيرة التي استلمها، والتي ولدت لديه شعور بان هناك مؤامرة تحاك ضده، ولم يتمكن من منع نفسه من الجري إلى طريق العودة حتى تهاوى على الأرض خلف جدران حجرته.

ذكرتني هذه الرواية ببعض القصص المؤلمة للكثير من الأصدقاء والمعارف ممن اضطر إلى الهجرة وتحمل الكثير من المعاناة المادية والنفسية والبعض منهم من دفع حياته ثمنا من اجل اللجوء والعبور إلى بر الأمان، وابتلعت البحار والمحيطات عوائل بأكملها بقوارب تهريب لاجئين غير شرعية، وتفرقت عوائل ما بين الزوج والزوجة والأولاد لقبول البعض ومنحهم إقامة فيما رفض آخرين بحسب قوانين الدول، وآخرها، وليس الأخير مقتل المهاجر العراقي العائد من ليتوانيا أمام حرس الحدود “البيلاروسيين “.

التعليقات مغلقة.