موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

سبع حقائق مدهشة عن القانون في مصر القديمة (مُتَرجَم)- وكالة ذي قار


عبر جمع الدلائل الأثرية توصل المؤرّخون إلى اكتشافاتٍ مدهشة حول القانون في مصر القديمة. بالنسبة للحضارات القديمة مثل بابل وسومر؛ توفّر النصوص القانونية المكتوبة صورةً واضحةً للمؤرّخين حول النظم القانونية والقيم الاجتماعية التي كانت سائدةً في تلك الحضارات، ولكن فيما يتعلّق بالحضارة المصرية القديمة؛ فلم يكن ثمّة نظامٌ قانونيٌّ مكتوب، ولهذا كان لزامًا البحث عن دلائل بديلة. لقد وفّرت الوثائق الموجودة معلومات عن القواعد القانونية التي كانت المعاملات اليومية تقوم عليها، كما توفّر بعض النصوص؛ مثل نصّ “سيبايت – Sebayt” معلوماتٍ عن العلاقة بين الدين والقانون.

كان القانون في مصر القديمة يقوم بالأساس على تعاليم «ماعت-Ma’at»، إلهة الحقيقة ،التوازن، النظام، وكذلك العدالة. بجانب كَون دور الفرعون بوصفه حاكمًا يتمثّل في الحفاظ على تعاليم ماعت وإعمالها وتمريرها عبر القوانين؛ حيث يجب أن تتماشى قوانين الدولة مع تلك التعاليم تمامًا مثلما ينبغي للدول الحديثة أن تتماشى قوانينها مع دستورها، وكان يشار للوزير الموكّل بإنفاذ العدل في مصر القديمة بأنّه “كاهن ماعت”؛ ممّا يعكس الدور المحوري لتلك التعاليم في النظام القانوني.

وفي عصر المملكة القديمة كان الكهنة يعملون قضاة، أمّا في المملكة الوسطى فقد صار هناك قضاةٌ محترفون مخصصين للعمل في المحاكم في جميع أنحاء مصر.

وفي السطور التالية؛ سنتعرّف على بعض الحقائق المدهشة عن القانون في مصر القديمة من خلال العديد من الأمثلة المبكرة الواردة في النصوص والمتون المكتوبة؛ بدايةً من عصر المملكة القديمة وصولًا إلى الإصلاحات القانونية السريعة التي أجراها الملك «باكن- رع- نف».

القانون في مصر القديمة – المتّهم مدانٌ حتى تثبت براءته:

في مصر القديمة؛ حين كان يُتّهم شخصٍ بارتكاب جريمةٍ ما؛ فإنّه كان يعتبر مذنبًا إلى أن يتمكّن من إثبات براءته، وكانت تعاليم ماعت تعتبر بمثابة أداةٍ حاسمة لإحداث التوازن والنظام المطلوبين في المجتمع، ولهذا كانت تُفرض عقوباتٌ شديدة على المخالفات.

وبرغم التغيّرات الكبيرة التي طرأت على إجراءات القضاء عبر التاريخ المصري القديم؛ ظلّت ماعت وغيرها من الأساطير ذات الصلة بمثابة نقطة مركزية في مفهوم العدالة، وكذلك لعب الشهود دورًا محوريًا في المحاكم المصرية، وكانت تُعتبر شهادة الزور بمثابة جريمةٍ خطيرة آنذاك.

أمّا عن نظام المحاكمات نفسه؛ فبرغم أنّ فكرة إقامة المحاكمات أمام هيئة محلّفين قد ظهرت في اليونان القديمة منذ نشأة الديمقراطية الأثينية في 590 قبل الميلاد، إلّا أنّ الأمر كان مختلفًا نوعًا ما في مصر القديمة ولم تكن هيئة المحلّفين تشكّل مكوّنًا رئيسًا في الأنظمة القانونية المصرية، ومع ذلك يمكن أن نرى أقرب شكلٍ لنظام هيئة المحلّفين القضائية فيما يعرف بال« كين بت- Kenbet»، حيث تتكوّن المحاكمة من مجلس من كبار السن يتولّون القضاء والبتّ في القضايا الصغيرة والنزاعات المحلية، أمّا القضايا الأكبر والأكثر خطورةً مثل جرائم سرقة المقابر أو القتل، فكانت تجري إحالتها إلى محكمة أعلى يترأّسها “كاهن ماعت”.

التسلسل الهرمي في النظام القضائي:

كانت مصر تتمتّع بنظامٍ قضائيٍّ ذو تسلسلٍ هرميّ؛ حيث كانت القضايا ذات الأهمية المحدودة تُعرَض على «سيرو-Seru»  وهو مجلس من كبار السن الذين يشغلون موقع القضاة في المناطق الريفية، أمّا المناطق الكبرى فكان مجلس القضاء فيها يُدعى «كينبيت-Kenbet» وكان ينعقد بشكلٍ يوميٍّ للبتّ في القضايا، وكانت الجلسات تغطّي مجموعةً واسعةً من القضايا تتراوح مابين النزاعات على الملكية والقضايا الجنائية.

كذلك كان يجري إحالة القضايا التي يتعذّر البتّ فيها في ال”سيرو” إلى مجلس ال”كينبيت”، وفي حالات نادرة؛ كانت تُرفَع بعض القضايا؛ خاصة القضايا الأكثر خطورة أو القضايا ذات الطابع السياسي؛ إلى محكمة ملكية يطلق عليها «جادجات-Djadjat».

كان الملوك “الفراعنة” يتربّعون على قمّة التسلسل الهرمي للنظام القضائي في مصر القديمة، ويقومون بتولية وزيرهم مهام الإشراف على الإدارة العملية لشؤون العدالة. في كتابه «عقل مصر- The Mind of Egypt » يقول «يان آسمن- Jan Assman»:  “تشير العدالة (في مصر القديمة) إلى حياة متناغمة مع الهياكل الضامّة التي تجعل الحياة الجماعية المشتركة ممكنة”.

وكان الملك “الفرعون” هو المسؤول عن ضمان الحفاظ على ذلك التناغم، وهو مايعني أنّه من أجل الحفاظ على ال”ماعت” يجب أن يكون للملوك “الفراعنة” السلطة العليا في إصدار وإنفاذ القوانين، وحلّ النزاعات، وتعيين المسؤولين لتنفيذ هذه المهام.

الدور المحوري للكتبة في العمليات القانونية:

على الرغم من أنّه لم يُعثَر على أيّ قوانين مكتوبة في مصر القديمة، فإنّه من الواضح من السجلات التاريخية أنّ الكتبة كانوا يلعبون أدوارًا محوريّة في العمليات القانونية، وكان أحد هذه الأدوار يتمثّل في توفير المعلومات الإجرائية، كما كان الكتبة هم المخولوّن بكتابة الوصايا والعقود القانونية الأخرى، وكذلك توثيق المحاكمات، ومن بين أشهر القضايا الموثّقة الوارد ذكرها في تاريخ مصر القديمة قضية مقتل الملك «رمسيس الثالث – Ramesses III » في مؤامرة فاشلة لتنصيب الأمير المصري «بنتاور- Pentawer» على العرش.

قد يعجبك أيضًا

كان رمسيس الثالث قد تولّى حكم مصر؛ ليصير الفرعون الثاني في الأسرة العشرين في فترة اضطرابات كبرى، خلال هذه الاضطرابات قادت «تي-Tiye» إحدى زوجات رمسيس، و«بيباك آمن- Pebakkamen » أحد المسؤولين رفيعي المستوى في البلاط الملكي؛ مؤامرةً لتولية بنتاور العرش، وبرغم أنّه قد جرى قتل رمسيس، إلَّا أنّ المؤامرة انكشفت وحُوِّل الضالعون فيها إلى المحكمة؛ لتصير المحاكمات الخاصّة بتلك القضية من أفضل المحاكمات توثيقًا في التاريخ المصري القديم؛ حيث وُثِّقت في بردية «تورين-Turin »القضائية، وقام «رمسيس الرابع-Ramesses IV» بتعيين خمسة عشر قاضيًا للحكم في القضية التي استغرقت خمس جلسات وأفضت إلى إعدام ثمانيةٍ وعشرين شخصًا.

قوانين المساواة بين الجنسين:

مقارنةً بالأنظمة القانونية والتشريعية الأخرى في العالم القديم؛ كان النظام القانوني المصري يتميّز بمساواته بين الرجال والنساء، حيث كانت المرأة مساويةً للرجل قانونيًا، وكان بإمكانها إجراء معاملات الشراء والبيع والتوريث لممتلكاتها، واستمرّت تلك المساواة القانونية تحت الحكم اليوناني في العصر البطلمي، ولكن بحلول العصر الروماني وتحوّل مصر إلى مقاطعةٍ رومانيةٍ عقب معركة «أكتيوم-Actium» في عام 31 قبل الميلاد؛ أُلغِيَت تلك القوانين، ولم يشهد العالم قوانين مماثلةً للمساواة في المِلْكية حتّى القرن التاسع عشر في أوروبا وأمريكا.

وتتجلّى هذه المساواة أيضًا في القوانين الخاصّة بالزواج؛ حيث كان يمكن للرجال والنساء حيازة ممتلكاتٍ مشتركةٍ بعد الزواج، كما يمكن لكلا الزوجين أن يتّخذا إجراءات الطلاق؛ على الرغم من أنّ الرجال كانوا مطالبين بدفع مبلغٍ من المال كغرامةٍ في حالة الطلاق، بينما لم يكن ذلك مطلوبًا من النساء. أمّا في حالات الطلاق بسبب الزنا، كان الطرف المذنب يضطّر للتخلّي عن حصته من الممتلكات المشتركة بين الزوجين.

ومع ذلك؛ بالرغم من أنّ هذه القوانين في مصر القديمة كانت تقدميّةً نسبيًّا مقارنةً بقوانين باقي حضارات العالم القديم، إلّا أنّه كان هناك فجوةٌ واسعةٌ في معاملة الرجال والنساء في المجتمع المصري القديم.

دور الكهنة في النظام القانوني:

على مدار التاريخ المصري القديم؛ لعب الكهنة دور القضاة مما يعكس الدور المركزي للدين في النظام القانوني، ووفقًا للأساطير المصرية القديمة؛ كان يُعتَقَد أنّ الآلهة تعيش في المعابد، كما كان يُعتَقَد أنّ الكهنة كانوا قادرين على التواصل مع الآلهة، وهو ما منحهم سلطة البتّ في القضايا القانونية وحلّها.

وبحلول زمن المملكة الحديثة عام 1550 قبل الميلاد؛ لعب العرّافون دورًا جوهريًّا في النظام القانوني، وبات الكهنة يحملون معهم تمثالًا عامًّا للإله يستخدمونه في حلّ المسائل القانونية من خلال حركة ما أو إشارة إلى الحلّ يتولّون هم تفسيرها، علاوة على ذلك؛ بدأ الكهنة العرّافون يلعبون دورًا في البتّ في الشؤون الهامّة للدولة مثل الخطط العسكرية وغيرها.

وتورد إحدى البرديّات توثيقًا لمحاكمةٍ جرت في القرن الثاني قبل الميلاد خلال العصر البطلمي؛ حيث نجد بها وصفًا لثلاثة كهنة قضاة يتولّون البتّ في قضية نزاعٍ على قطعة أرض، وفي حضور أحد المسؤولين البطالمة الذي جاء للإشراف على المحاكمة. يتّضح من هذه البردية أنّه حتّة بعد غزو الإسكندر الأكبر لمصر؛ ظلّ النظام القانوني والقضائي محتفظًا بإجراءاته وتقاليده السابقة. كذلك فإنّ هذه المحاكمة، بوصفها واحدةً من أقدم المحاكمات الموثّقة بالكامل، تكشف الفرق بين الإجراءات القضائية في كلٍّ من مصر القديمة واليونان القديمة؛ ففي حين أكدّت المحاكمات في اليونان على مدى أهمية الحكم الديمقراطي للمجتمع الأثيني، كانت العمليات القضائية في مصر تعكس منظورًا راسخًا بأنّ الكهنة يمتلكون القدرة على الوصول إلى الحقيقة المطلقة.

الإصلاحات القانونية:

قد يعجبك أيضًا

لم يخلو النظام القانوني المصري القديم من عمليّات إصلاحٍ من وقتٍ لآخر، وهناك من الأدلّة ما يؤكّد على أنّ إصلاحاتٍ قانونيةً سريعةً قد جرت في عهد بعض الملوك الفراعنة؛ منها مثلًا ما ورد في إحدى السجلات التاريخية المثيرة للجدل الآن من أنّ الملك «با كن رع نف-Bakenranef» قد أجرى إصلاحاتٍ شاملةً لقوانين الأراضي وقام بإلغاء عبودية الديون.

ومع ذلك؛ فإنّ هذا السجلّ التاريخي يعود إلى «ثيوذورس-Diodorus» في اليونان القديمة ويعتقد المؤرّخون أنّه قد اختلق ما ورد فيه ليدعم مواقفه الأيدولوجية، كما أنّ النصّ الذي زعم ثيودورس أنّه استند إليه في تدوين تلك الوقائع، والذي يعود إلى المؤرخ «هيكاتيوس من أبديرا-Hecateus of Abdera»؛ قد فُقِد.

القانون في مصر القديمة: شيوع سرقة المقابر:

من بين الحقائق المدهشة حول مصر القديمة أنّه بحلول عصر الأسرات المبكّر انتشرت سرقة المقابر حتّى باتت تمثّل مشكلةً خطيرةً وجادةً للدولة، وكانت تلك المشكلة سائدةً لدرجة أنّ التصميمات الداخلية لهرم الملك «زوسر- Djoser»، أولّ هرم تمّ بناؤه؛ تضمّنت أساليب خاصّةً لمنع السرقة.

في برديّة «ليوبولد أمهرست-Leopold Amherst» نجد إعترافًا لأحد البنَّاءين يدعى «آمن بانوفر-Amenpanufer»، والذي اتُّهم بسرقة مقبرةٍ يعود تاريخها إلى 1110 قبل الميلاد، والذي يتّضح لنا من خلاله الطابع المنهجيّ لتلك السرقات في المملكة الوسطى؛ حيث يصف آمن بانوفر كيف أنّه كان يدفع رشاوى لتجنّب العقاب والاستمرار في سرقة المقابر. كذلك يُعَدُّ هذا الاعتراف مثيرًا للاهتمام نظرًا لما يكشفه من عدم الاكتراث بتعاليم ماعت، والتي تمثل المباديء التي قامت عليها القوانين في مصر القديمة؛ فوفقًا للأساطير المصرية كان ينبغي على المرء أن يحيا وفقًا لتعاليم ماعت كي يتمكّن من اجتياز المحاكمة الأخروية والعبور إلى العالم الآخر.

وبعد، يرى بعض المؤرّخون أنّ هناك علاقةً سببيةً بين تراجع المعتقد الديني في ربوع مصر القديمة وبين زيادة حوادث سرقة المقابر، إلّا أننا نجد ما يتعارض مع هذا الرأي في العديد من الحضارات القديمة؛ حيث انتشرت العديد من السلوكيات المناقضة للمعتقدات الدينية التي كانت السائدة في تلك الحضارات؛ مدفوعةً بأسباب مباشِرة.


المصدر :

https://www.thecollector.com/law-ancient-egypt/





المصدر

التعليقات مغلقة.