موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

بَشيرُ الحق

الشوارعُ تمتلئ اليوم بالناس على غير عادتها والفرحُ يرتسمُ على الوجوهِ المتعبة، بطاقات الزينةِ الزاهية بألوانها تملأُ الحاراتِ والأزقةِ وواجهاتِ المنازلِ، بالونات الأطفالِ تنشرُ في السماء تشكيلاتها الرائعة فإنه يومٌ ليس كسائرِ الأيام فهوَ يومُ البشارةِ التي نتطلعُ إليه، يومُ الحجةِ القائِم بالأمر الإمام المنتظر المهدي عجل الله تعالى بظهورهِ وجعلنا من أعوانه وأنصارهِ.

في الخامس عشرَ من شعبان سنة مئتان وخمسة وخمسون للهجرة الشريفة ولد الإمامُ محمد المهدي (عليه السلام)، فقد رويَّ ان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) طلب من أخته السيدة حكيمة بالمبيت مَعَ السيدة السعيدة (نرجس) زوجة الإمام لأنها ستلد الليلة فتعجبت السيدةُ حكيمةُ وقالت: لم يَبدو عليها الحَملُ، ولم تخبرني بآلآمٍ للوضع فبقي الإمامُ صامتاً ناظراً إليها مُتأمِلاً، فأدركت إنها لا تدركُ عِلمَ الإمامِ، فمكثت عنده واقفةً فقطع الإمام صمتها وحيرتها بقوله: إني أرى ذلكَ… فبقيت في بيته امتثالاً، وعندَ منتصفِ الليل قالت للإمامِ يا مولايَ لم يظهر على السيدةِ (نرجس) ما يُنبيء عما تقول فقال: إنهُ الحقُ فانتظري يا حكيمة.. وقبل بزوغ الفجر شعرت السيدةُ نرجسَ بالطلقِ فأيقظت السيدةَ حكيمة من إغفاءةِ مُستيقضٍ لتحضرَ ولادتها.. فدلفت معها حجرتها لتخرج بَعد قليل منها وهي تحملُ مولوداً كأنَ وجَهه القمَر ليلةَ تمامه ووضعته في حجر أبيهِ الإمامِ الحسن (عليه السلام) فقال يا حكيمة هذا هو محمدٌ الموعود وخاتِم المعصومين من آلِ البيت والقائم بالأمرِ أمام العصرِ.. لا تخبري أحداً بولادته.

كتمَ الإمام سِرَ ولادته حتى عن أخيه جعفرَ خوفاً من بطش الجائرين ومكائد الأعداء الظالمين لآل البيت (عليهم السلام).

مضَت السنون ودنت ساعة أجلِ الإمام ليلاقي ربه لتضافَ مظلوميتهُ إلى مظلوميات آلِ البيت على يد الأمويين والعباسيين وكان القوم من حوله في حيرةٍ بمن سيخلفُه في إمامتهم فاتفق أحمد بن إسحاق وسعد الأشعري وكانا من أكابرِ أتباع الإمامِ أن يدخل أحمد بن إسحاق عليه. فدخل قائلاً بعد السلام: يا ابن رسول الله مَن الخليفةُ والإمام بَعدك فنهض الإمام (عليه السلام) رغم مرضه ومضى مسرعاً فدخل حجرته ليخرج منها وعلى عاتقهِ غلامٌ كأن وجههُ القمرُ ليلة البدرِ من أبناءِ ثلاثةِ سنينَ وقال: يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتُكَ على الله ما عرضتُ عليكَ ابني هذا سميَّ رسول الله خليفتي وإمامُكم من بعدي.

قال أحمد بن إسحاق: فقلتُ يا مولاي هَل من علامةٍ يطمئنُ بها قلبي..!! فنطقَ الغلامُ بلسانٍ عربيٍ فصيح.. أنا بقيةُ الله في أرضه والمنتقمُ من أعداءِ الله فحنى ابن إسحاق رأسهُ وخرجَ من بيت الإمام، بعد أن أدى السلام.

كان سعدٌ في انتظارهِ، فلما خرج عليه سأئله ما وراءَكَ فقال:

يا سعد: أما سمعت عن رسول الله قوله (يكون لهذهِ الأمةِ اثنا عشر خليفةً) قال بلى، قال وهل سمعت قولهُ (كيف أنتم إذا نزل ابن مريمَ فيكم وإمامكم منكم) وهل أتاكَ حديثٌ رَواهُ أبو سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (لو لم يبقَ من الدهرِ إلا يومٌ لبعث الله رجلاً من أهلِ بيتي يواطئُ اسمهُ اسمي يملأُ الأرضَ عدلاً بَعدما ملئت ظلماً وجوراً).

وهل سمعت بحديث ابن عباس لمعاوية إذا قال له يا معاوية… قال رسول الله: (إن أمتي مرحومةٌ منها نبيها ومهديها) قال سعد إني مؤمنٌ بهذهِ الأحاديث فما وراءَك يا أحمد من خبرٍ قال يا سعد: الذي أخبرنا عنه رسول اللهِ هو الآنَ في حجر أبيه.. وقال لي وهو ابنُ ثلاثٍ بلسان عربيٍ فصيح: (لا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق).

فحمد الله، ومَضيا مسرورين عن دار الإمام الحسن (عليه السلام).

وبَعد أيامٍ توفي الإمام (عليه السلام) وكان لابنه محمد المهدي خمس سنوات قد أتاهُ الله فيها الحكمة وفصل الخطابِ كما جَعلَ عيسى بن مريم في المهدِ نبياً فأمَ الجماعة أخيه جعفرَ ليصلي عليه فتقدمَ منه المهديُ قائلاً: (تأخر يا عَمْ فأنا أحقُ بالصلاة على أبي) وقد ورَد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قوله: إنما سُميّ (القائمُ) لقيامهِ بالحقِ.

وقال فيه الباقرُ (عليه السلام): (إذا قام مَهدُينا أهلَ البيت عَدَلَ في الرعيةِ فَمن أطاعهُ فقد أطاعَ اللهَ ومَن عصاهُ فقد عصى الله وأنه سُميَّ بالمهدي لأنَ الله تعالى يَهديهَ ويُرشدهُ إلى الأمور الخفيةِ التي لا يطلعُ عليها أحد…).

إن الإمام المهدي (عليه السلام) موجودٌ في كل زمانٍ وقد تواردت الأخبارُ على ظهوره وإشراق نوره مجدداً للشريعة المحمدية فهو غائبٌ عن الأبصارِ لا يراهُ الناسُ ولا يعرفونَهُ وهو لا يُعرِّفُ نفسهُ ويحضرُ في كُلٍ مكان أرادَ يعلَمُ – بإذن الله – كُلَّ ما يجري في العالم فإذا ظَهَر يحكم الكرة الأرضية جميعاً وينزلُ عيسى بنُ مريم من السماءِ ليُصلي خَلفهُ وتنقادُ إليه كافة الأديان والمللِ…

فالإمامُ محمد المهدي (المنتظر) حقيقةٌ إسلاميةٌ واقعةٌ بشرَ بهِ القرآن وتحدث عن ظهوره الرسول (صلى الله عليه وآله) وأئمة المسلمين بالحُجة والبيان وبأنهُ (عليه السلام) حيٌ على وجهِ هذه الأرضِ يأكلُ ويشربُ ويُعبدُ الله منتظراً الأمر لَهُ بالظهور… .

وإنه (عليه السلام) الآن في غيبته الكبرى التي أخبرَ الناس عنها من خلالِ نسخةٍ خرجت لهم تَحملُ توقيَعهُ وقد وجهها لنائبه السمري يرثيهِ بها ويأمرُهُ بَعدَمِ الوصيةِ لأحدِ فقد وقعت الغيبةُ التامةُ فلا ظهورَ إلا بَعدَ إذن الله تعالى وكانت قبلها غيبتهُ الصغرى التي كانت مدتها أربعٌ وسبعون عاماً وقد شغلها أربعةُ نوابٍ أولهم كان عثمانَ بن سعيد، ومن بَعدهِ محمدُ بن عثمان، ثم الحسين بن روح ورابعُهُم أبو الحسن عليٌ ابن محمدٍ السمري المتوفى سنةَ ثمانٍ وعشرين وثلاثمئة هجرية وهو تاريخ الغيبة الكبرى.

سيظهرُ المهدي مُسنداً ظهرهُ إلى الكعبة ويجتمعُ إليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رَجُلاً منهم خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون وعيسى وسبعةُ من أهل الكهفِ ويوشعَ بن نون والخضرَ وسلمان والأنصاري أبو أيوب والمقدادُ ومالكُ الأشتر فهؤلاءِ بين يديهِ أنصاراً وحكاماً وعن عظمةِ ظهورهِ قال أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): (يخرجُ رجلُ من ولدي في آخرِ الزمان أبيضَ اللونِ مِشربٌ بالحُمَرةِ هو التاسعُ من ولد الحسين).

يخرج الإمام المهدي (عليه السلام) براية رسول الله وخاتِم سليمانَ وحَجر موسى وعصاهُ وجبريلُ عن يَمينه وميكائيلُ عن شماله وإسرافيلُ أمامَهُ لا يهوى إلى قومٍ إلا أهلكهمُ الله عز وجل.. يمكث سبعَ سنين مقدارُ كلِ سنة عشرُ سنين ثُمَ يفعل اللهُ ما يشاءُ هذا ما رويّ عن الإمام الباقر (عليه السلام) فقال السائل: جُعلتُ فداكَ يا ابن رسول الله كيف تطولُ السنونْ؟ قال يأمرُ الله الفلَكَ بقلةِ الحركةِ والمكوثِ فقلت: إنهم يقولونَ إن الفَلكِ إن تغير فسدَ؟ فقال (عليه السلام): ذلك قولُ الزنادقةِ فأما المسلمونَ فلا سبيلَ لَهُم إلى ذلك وقد شقَ الله القَمَر لنبيه وردَ الشمس ليوشعَ بن نون وأخبرَ بطولِ يوم القيامةِ وأنهُ كألفِ سنةٍ مما تعدون.

اللهمُ كُن لوليكَ الحجةَ المهدي ولياً ودليلاً وعينا. حتى تسكنَهُ أرضكَ وتُمتعهُ فيها طويلاً، واجعلنا من أعوانه وأنصاره فنحن أتباعُهُ المنتظرون للبذلِ دونه ففي ذلك الفوز العظيم إن شاء الله.

عبد الحسين الدعمي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.