موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

من أوراق (الحرّ الرياحي) المنسيّة

من أوراق (الحرّ الرياحي) المنسيّة

“الرمز يوحد ما هو دنيوي – غيبي ”      جبّار الكوّاز

قراءة عقيل هاشم – العراق

“الرمز وأنسنة نهر الفرات”

شخصية الحر الرياحي من الشخصيات التاريخية التي اضحت مضربا للمثل في اتخاذ الموقف المشرف في لحظات المواجهة اثناء الصراع بين الخير والشر، كما ان سرعة التحول في القرارات هي التي ميزته وكشفت للأجيال مدى دقة ذلك الخيط الذي يفصل بين الحق والباطل، وبانها الشخصية التي حفظت في ثناياها صراعا يصلح موضوعا للتفلسف أكثر منه موضوعا للأعمال الادبية المميزة.

إذا كان الامام الحسين (عليه السلام) ثورة على الواقع، فأن شخصية الحر الرياحي مثال ممتاز للثورة على النفس ومغريات الظرف الذي تعيشه والثورة تلك كانت ((فعلا)) بالمعنى الفلسفي للكلمة حيث تناهي الشخصية ومحدوديتها ودخول حيز البقاء التاريخي بسبب من انتشاره واستمراريته عبر الأجيال فأصبح عله((رسالة)) استقرأها الشاعر

جيدا وحاكاها بتأملاته الخاصة والنابعة اصلا من ايمان عميق..

وبعد فقد كان الشاعر موفقا في هذه القصيدة فقد اصاب هدفه ومقصده. وقد وجد خصوصيته في مفردات عميقة تجلى فيها الفكر والبعد الجمالي، يتعانقان على مشارف الاستعارة والتشبيه، وما ذلك الا دليل على سعة المعجم الشعري لديه وطواعية اللغة بين يديه. ايضا يجد فيها كما هائلا من المعاني والاساليب ومن صور بلاغية وصوتية وغيرها،

تعد القصيدة التي تنشد الرمز “الشخصية الزاهدة “المتحولة”- الحر الرياحي” لذاتها أحد الأنماط الشعرية التي أقبل عليها الشعراء إبراز المشاعر الجياشة شعرية تفيض بالأحاسيس الصادقة، نصوص من الاستغراق الروحي تزول فيها الحجب والحواجز الحسية. فرؤية الشاعر الشغوف بالمقدس شبيهة برؤية الفنان والعاشق الولهان بموضوع حبه للمقدس،

ولهذا نجد الشاعر يعتمد أساليب لغوية مرمّزة سابحة في برازخ دلالية، تجعل من الخطاب الشعري لغزا يستوجب فك رمزه. وهذا ما يجعله “دائم التفكير في العثور على وسائط لغوية وفنية تمكنه من استكناه ما خفي في الذات والوجود في آن واحد وقد أفضى البحث الدائم إلى اكتشاف الرمز،

 وهو وسيط أساسه الإيحاء بالتجربة. فالرمز يوحد ما هو دنيوي و ما هو غيبي لما يحمله من سمات، فالرمز يعطي انفتاحا للدلالة، ويشكل ظلالا للمعنى الواحد، و قد وظف الرمز الصوتي لما فيه من مخزون متحرك يتجاوز

القوانين، ويعبر عن خلجات عميقة تربط بين الداخل والخارج في الذات التي أوحت للشاعر بالرمز.

 في هذه القصيدة قد وفق الشاعر الى اختيار مقاطع شعرية تتناسب والشخصية التي تصلح لان تكون موضوعا كالذي نحن بصدده فشخصية ((الحر الرياحي)) شخصيه تتميز بالنمو المتصاعد اثناء حركتها في الواقع بنفس القدر التي امتلكت فيه صورا متموجة من الصراع النفسي الحاد،

1/

لم يكنِ الفراتُ مديةً في خاصرةِ

جيشِك.

صوت:

(من أزلٍ كان الفراتُ امّةً.

وغابةً من الثمار

وكان كلُّ عابرٍ

يرى السماء ديمة

والافق نور

أهو السوادُ من اخافكم

ام وهمُ الرؤيا إذا ما أسفرَ النهار)

انّ هذه الصورة الجزئية لموضوعة العطش وقصور النهر وانسنته ” الفرات “يمكن اعتبارها مرحلة أولى وهامة من مراحل الانتقال ب -شخصية ” النهر الفرات “من التعبير عنها إلى التعبير بها عن معانٍ وأحاسيس معاصرة.

2/

كنتَ ظامئا لتردَ روحَك

الى خندقِ الرؤيةِ

وحقولِ الرؤى

فهلّم بنا..

. صوت:

(ظمأي سرٌّ ورياح

ادنو منه فيدنوني

أين اذن نهلةُ روحي

والارضُ سيوفً ورماح)

ان ثلاثية المكان والزمان والإنسان في الرمز الحسيني، واسقاطها على شخصية “الصحابة” ومنهم الحر الرياحي وما يكتنفها من ترقّب ورهبة وغموض وأمل، ومصير يحدّد مسارهم وحياتهم يستدعي تلك الرموز الضاربة بالعمق والدلالة.

3/

عجّجْ

فلا ميزانُكَ غافلٌ عن اثقالِه

ولا جندُك ضلّلَهم ترابُ المسير.

صوت:

(خففْ

عجيجَك

فالصغارُ نيام

فغدا همُ وليمةُ

اللئام)

إنّ هذه الصورة من التعامل مع الرمز تعد قضية عقيدة اراد لها الشاعر ان تبرز في هذا المقطع ان يكون خالدا، وأتباع هذه العقيدة يتنافسون من اجل رفعها وتقديم التضحيات من أجلها.

4/

وركابُهم

ظمآى لجماجمِ قتلاهُم

صوت:

(لا جماجمَ في(نينوى)

ولا في القدورِ عصيد

والطريقُ الى (سقر) بريد)

عن هذا الشكل من الرمز هو درجة الحماس والتوقّد التي تستدعي حضور (الأنا) الشعرية حضورًا بارزًا بينما يحتاج خلق الشخصية الموضوعية من خلال القناع والنموذج والذي يجد نفسه محاصرًا بالأعداء من كل جانب، فإما ان يستشهد او ان يرسلهم الى جهنم..

5/

لا تبحثْ عن قافٍ

 بدويّ

فقربَك في(كربلا)

قافّون

عددَ الرملِ والحصى

صوت:

(القافّون وراء أكثر

فالشائلُ

والبوّالُ

والسارقُ

والبرقُ المشلول

فخذِ حِذرَكَ من سيفٍ مخذول)

اقول شخصية “الحر الرياحي” لاتزال إلى اليوم حاضرة ومؤثرة وفاعلة في الاتجاهات الشعرية الحسينية كونه صوتا “حرا” في قصائد أجيال الشعراء ولم تزل الى اليوم. من خلال إدانة صور ماثلة   “الشائل/البوال/السارق.

 فأنت تقرأ وتتأثر وتتفاعل..

6/

سيفُك يبكي في غمدِه

انت تبكي في صلاتِك

هم ينوحون على دراهمِهم

والذهبُ لابدٌ في خزائنِ الشام.

صوت:

(لا تملأ الركاب بالذهبْ

فكلّ مَن ذهبْ

صار الى جهنمٍ كعروة اللهبْ)

لما كانت القصيدة الحسينية المعاصرة، متنوعة الموضوعات، كان لابد للشاعر من مقدرة فنية، تمكنه في الانتقال من غرض إلى آخر، إذ إنه عندما أراد الانتقال إلى ذكر الحرية ذكر المعادل الموضوعي لها..

7/

 وهذا الهادرُ الباكي

والشهيدُ القتيلُ قربَ نخيلٍ اعجازُها باكيةٌ

لم يكنْ غيرَ نهرٍ اسّسه ملائكةٌ أقدمون.

صوت1:

(لا نهر في البلادِ

الّا بكى مع الفرات

فمن يعيرُ دمعةَ

الرضيعِ في الفلاة)

صوت2:

(أنّي رأيتُ ما لم تَرَون)

 وثمة موضوعات أخرى تتعلق بالحسين ع، منها وصف عطش “عياله”، والإشارة إلى أخيه العباس، وهجاء أعدائه، وعظمة مصابه، كذلك أموراً أخرى ذات طابع سياسي، كرفض الاحتلال والإحساس بمعاناة العرب والمسلمين في كل مكان، وقد عبر عن هذا المعنى الشاعر،،

8/

هو الفراتُ

أياكَ أن تنسى

وجيشُك ظامىءٌ

لم يمسسْهُ سوءٌ

كتطايرِ شررٍ من ضفافِك المنحدرةِ الى الّج

التعليقات مغلقة.