موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

الحسيــن و تفـــرد الظاهـــرة

الحسيــن و تفـــرد الظاهـــرة

حازم المتروكي – العراق

      إن تناول موضوعة الإمام الحسين ع أنما تحاكي من يركب أمواج بحر طامي لا يمكن سبر غوره لكنني أتناوله كظاهرة متفردة أغنت الأدب العربي عموما والنتاج الشعري بشكل خاص وحقيقة حينما أستقرئنا التاريخ لم نجد إن هناك ثورة استطاعت أن تلقي بظلالها على الواقع الشعري العربي وتغنية موفرة أمامه مادة شعرية خصبة في نمائها ووفيرة في عطائها موسعة أفاق شعر الرثاء بما لم نقرأه في نتاج رثائي في الشعر كمعركة الحسين ع لكن لم نجد أن الشعر الذي تناول قضية الأمام الحسين ع قد خضع لدراسة أدبية

بشكل يتناسب مع واقعه شكلا ومضمونا، مبنى ومعنى لنرى مدى تأثير هذا الشعر الحسيني

على واقع الأدب العربي ومدى تأثير هذا الواقع بهذا الشعر الحسيني ليتبين للقارئ ما أحدثته هذه المعركة من أتساع مديات شعر الرثاء العربي ومستويات تطور أغراضه ومعانيه وأساليبه وفنونه.

لا سيما إن هذه الثورة لم تصطبغ بصبغة مذهبية او فئوية او جهوية او قبلية لان طبيعة واقعها التاريخي وملابسات ظروفها السياسية التي حدثت فيها لم تكن كذلك لان أهل البيت ع لم يكن في حسبانهم التسلط

والسطوة أنما كانت  ثوراتهم من أجل الاعتدال وإقامة حدود لله كما قال الإمام علي  ع (اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك )فحينما نمر على بدايات هذا الشعر ونظمه مستثنين الأراجيز التي قيلت في المعركة سنجد إن تناول ثورة الحسين في الشعر العربي كان بعد المعركة مباشرة وان كان تناولها يقتصر على أبيات قلائل ومقاطيع شعرية قصيرة مكثفة الانفعالات العاطفية مترعة بحزن عميق يتخللها شيء من العتاب المر إزاء الأمة الإسلامية بسبب خنوعها وعدم نصرتها للسبط الشهيد وكان عقبة ابن عمر السهمي الذي يقال انه  أول من رثى الحسين ع

مررت على قبر الحسين بكر بلا           ففاض عليه من عيوني غزيرها

وما زلت أبكيه وأرثي لشجوه                 ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وكذلك حينما دخل بشر ابن حذلم مدينة رسول الله ص ناعيا الحســــين ع

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها             قتل الحسين فأدمعي مدرار

 الجسم منه بكربلاء مضرج              والرأس منه على القناة يدار

وفي الحقيقة أقول إن أول من رثى الإمام الحسين هم أهل بيته فهذه ام كلثوم تخاطب مدينة جدها فتقول –

مدينة جدنــــــــــا لا تقبلينا         فبالحسرات والأحزان جينا

 خرجنا منك بالأهلين جمعا       وعدنا لا رجــــــال ولا بنينا

 كذلك رثاء الرباب لزوجها الحسين

إن الذي كان نورا يستضاء بــه           بكربلاء قتيل غير مدفــــــون

 والله لا ابتغي صهرا بصهركم          حتى أغيب بين الرمل والطين

 ونقرا رثاء زينب بنت عقيل ابن ابي طالب

 ماذا تقولــــــــون إذ قال النبي لكم         ماذا فعلتم وأنتم آخــــــــر الأمــم

 بعترتي وبأهلـــــــــي بعد مفتقدي         منهم آسارى ومنهم ضرجوا بـــدم

 ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم        أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

 مرورا إلى العصر العباسي الذي توسعت فيه أغراض شعر الرثاء الحسيني من حيث العاطفة المعبرة عن الحزن والولاء والدعوة إلى حق أهل البيت وأولويتهم في الخلافة الإسلامية كما نلحظ في شعر دعبل ابن علي الخزاعي

ولو قلدوا الموصى إليه أمـــــــورها       لزمت بمأمــون على العثرات

أخي خاتم الرسل المصفى من القذى ومفترس الأبطال في الغمرات

كذلك تناول الشعراء العباسيون قضية الحسين ع التي ربطوها بالخلافة فيقول مهيار الديلمي –

 أبا حسن إن أنكروا الحق ظاهرا          على انه والله إنكار عـــــارف

 سلام على الإسلام بعـــــدك أنهم           يسومنه بالجور خطة خــاسف

 وجددها بألطـــــف بابنك عصبة           أباحوا لذاك القرف حكة قارف

وأظن أنهم تأثروا بشاعر العصر الأموي الكميت بن زيد الاسدي

الذي عرف بأنه أول من فتح باب الحجاج حول الخلافة كقوله

يصيب بها الرامون عن قوس غيرهم فيا آخرا أسدى له الغي أول

كذلك لا ننسى الشريف الرضي حين يقول

وخر للموت لا كف تقلبه إلا بوطيء من الجرد المحاضير

ظمآن سلى نجيع الطعن غلته      عن بارد من عباب الماء مقرور

 أو أخيه المرتضى الذي يقول

 جزروا جزر الأضاحي نسله ثم ساقوا أهلة سوق الأما

 فكان الشعر الحسيني في هذا العصر متطورا متوسعا إلى قصيدة وافية كرثائيات الشريفين والديلمي والخزاعي وبديع الزمان الهمداني وغيرهم كثير.

 أما في العصر المملوكي فنجد أن الشعر الحسيني من حيث الأغراض والمعاني قد تناول مفردات جديدة في القصيدة الحسينية من حيث تصويره بإسهاب إلى قيم ومواقف شتى في معركة الطف فنرى الشعراء تارة يشبهون موقف الإمام الحسين ع بمواقف بعض الأنبياء كخروج النبي موسى ع خائفا وشوط أم إسماعيل وغيره وذلك لمواصفات شخصية الحسين ع المقدسة وتارة يتناولون قضية السبي والسبايا بشيء من التفصيل وطورا يصورون قيم البطولة والتضحية والإيثار واللوعة والحزن والعتاب واستنهاض الإمام الحجة ع فنجد السيد جعفر الحلي يقول

 كسروا جفون سيوفهم وتقحموا       بالخيل حيث تراكم الجمهور

 عاثوا بآل أمــــــــــــية فكأنهم        سرب البغاث يعثن فيه صقور

 كذلك السيد حيدر الحلي الذي عرف بحولياته التي نجد فيها رقة اللفظ ومتانة المعنى

 فشمر للحرب في معرك به عرك الموت فرسانها

 وأضرمها لعنان السماء           حمراء تلفـــــــح أعنانها

 وها هو الحاج هاشم الكعبي الذي يصور حال النسوة الثواكل بعد أن سقط الإمام من على ظهر جواده

فاقبلن ربات الحجال وللأسى            تفاصيل لا يحصى لهن مفصل

فواحدة تحنو علية تضـــــمه             وأخرى عليــــه بالرداء تضلل

إلى أن يقول

وجاءت لشمر زينب ابنة فاطم        تعنفه عـــــــن فعله وتعــــذل

تدافعه بالكف طورا وتــــــارة        إليه ب(طه) جدهـــــــا تتوسل

 أيا شمر هذا حجة الله في الورى    اعد نظرا يا شمر إن كنت تعقل

وهذا الشاعر قد صور تصويرا جميلا لجانب من المعركة وهذا لا يعني أن الشاعر الكعبي قد تناول شعرا تمثيليا لان لهذا النوع من الشعر عناصر وأصول معروفة والذي يدرس هذا النوع من الشعر سيجد إن احمد شوقي وعزيز اباظة ادخلوا الشعر التمثيلي في ديوان الطف في العصر الحديث.

وكذلك نرى الشيخ صالح الكواز

لم انس إذ ترك المدينة واردا لا ماء مدين بــــــل نجيع دماء

 قد كان موسى والمنية إذ دنت      جاءته ماشية على استحــــــياء

 وله تجلى الله جـــــــل جلاله في طور وادي الطف لا سيناء

 وهناك خر وكل عضو قد غدا      منه الكليم مكلـــــــــــم الأحشاء

 ونرى استنهاض الإمام الحجة في قصائد كثيرة فهذا الشيخ يعقوب الحاج جعفر النجفي

إمام الهدى حتام تقضي ولم تزل         ترى حرمات الدين في الأرض تهتك

 وقد أصبح القانون ينفذ حكمــــــه          وأحكامكم تلغى جهـــــــارا وتهتك

 إذن كان أسلوب الشعر الحسيني في هذا العصر هو اصطناع الوجوه البلاغية وبخاصة المحسنات البديعية والميل إلى المجاراة والتقليد ولا نعمم قولنا على جميع الشعر وكذلك لا ننسى ظهور ألوان رثائية لم تكن من قبل مثل (الملاحم -الروضات -التخميس) ولا مجال لشرح هذه الأنواع الثلاثة.

أما العصر الحديث

 ففي هذا العصر تأثر الرثاء الحسيني بما طرأ على الشعر الحديث من تطور فنرى القصيدة تبدأ بالغزل ولا تبدأ بالوعظ أو الفخر أو الحماسة كما هو شان بداية قصائد الرثاء الحسيني في العصر العباسي والمملوكي وإنما تدخل في صلب الموضوع مباشرة كأي قصيدة حديثة ألا إننا لا نعمم ذلك فهناك من بقي على طريقة القصيدة القديمة أمثال محمود الحبوبي الذي يقول

خل الهوى والكاعب الحسناء         ودع الطلى لسواك والندماء

 وصل المساعي بالمساعي جاهدا      واترك حياة العاجزين وراء

 وكذلك ظهرت في العصر الحديث الأرجوزة وهي لون آخر من شعر الثورة الحسينية وهي عبارة عن قصيدة مطولة تتضمن استعراض

الواقعة بتفاصيلها وهي ملحمة تختلف عنها في العصر المملوكي وزنا وأسلوبا ومن أشهر تلك الأراجيز (المقبولة الحسينية )للشيخ هادي ال كاشف الغطاء كذلك نرى الشعر التمثيلي الممسرح ومن أشهر المسرحيات رواية( الحسين)  ل محمد الرضا شرف الدين كذلك أثرت واقعة كربلاء بكتاب الشعر الحر فنقرأ لخالد على مصطفى (ملامح الصحراء) ونقرأ لأدونيس (حوارا جرى بين رجل وزوجته في 10 تشرين الأول 680 )  حوارا يتحدث حول قطع الرأس الشريف والحصول على جائزة ابن زياد وكذلك السياب في قصيدته (خطاب إلى يزيد) في ديوانه أساطير بطبعته الأولى وكذلك تناول المسيحيون الواقعة مثل قصيدة (علي والحسين )وملحمة (عيد الغدير ) لبولس سلامة اللبناني وقصيدة قيصر معتوق واتسعت رقعة الرثاء الحسيني الشعري خارج الأدب العربي فنرى ملحمة الشاعر    داليب فراشري والبالغة 65 ألف بيت وهي أول ملحمة شعرية في اللغة الألبانية مما حدث نقلة نوعية في الأدب الألباني .

إذن استحال الإمام الحسين ع إلى موقف يضرب المثل فيه لكل حرية وانعتا ق ويزيد مثالا لكل ظلم وفسوق واستبداد وكان لهذا الموقف التأثير الواضح على الشعر الذي لم يقتصر على زمان دون زمان ولا على أهل ملة دون أخرى ولا تفرد به مذهب دون سواه ولا لغة عن غيرها بل أصبح النظم في الحسين ولا يزال ملتقى المواهب لأمة من الشعراء من مختلف المذاهب والملل في مختلف العصور ومختلف اللهجات واللغات.

التعليقات مغلقة.