موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

الأدب التشريني أدب مستجد

الأدب التشريني أدب مستجد

مع دراسة في عنوان

(رحَّال عمر سعدون)

للكاتبة ختام صافي

د. خالد حوير الشمس – العراق

جيء بالأدب، أو أوجد الأدب نفسه لغايات غير خافية على ممارسيه، إما يأتي لتصدير الذاتية عند الكاتب، وهذا في حال رومانسية الشعر، وعاطفيته، ووجدانية الأديب، فنكون أمام أدب ينتمي لأيقونة الغزل، والنسيب، والتشبيب، والتعبير عن لواعج النفس، ويدخل فيها رثاء النفس، أو رثاء الأحبة، أو هجاء ناقم، بدوافع شخصية، أو سياسية، أو اجتماعية،

 

وقد تكون وظيفة الأدب محاكاة الواقع اليومي، ومحاورة القيم،

وعكس الأحداث على عموميتها في صياغاته، فينحدر الشعر هنا بعيدا عن كنهه البوحي، بوصفه إنثيالات، وهياج يسيل على القلب، فيدخل في معنى الفكر، والتفكير وهذا النمط له جذوره في شعر الخوارج في مدة الشعر الإسلامي، وشعر الصوفية، وشعر الشيعة في العصر العباسي، وهكذا حتى دخل الشعر في الأدلجة.

 

ميزة الأدب التشريني أنه يختلف في موضوعه، إذ يدور على أحداث تشرين ليس إلا، فوصف طبيعة الاحتجاج التشريني، والتعبير بحزن عن الساقطين برصاص السلطة، وعن حضور المرأة فيه، وطرائق الإيثار التي رآها الأدباء، وسيلان الدم في اليشاميغ، والطاقيات، والعباءات، وشُعور النسوة، وشعْر الشباب، فكان هذا الأدب رسالة للسلطة الحاكمة لغرض تغيير سياستها، والكف عن بوادر التجويع، والجوع، الذي يعانيه الشعب المحكوم، هو أدب يدخل في مضمار الشكوى، مما يمر به الوطن.

يقع قصد هذا الأدب إلى انتهاج التغيير السياسي، والاجتماعي، ويمكن تصنيف هذا اللون من الأدب أنه اجتماعي، وسياسي، يبتغي رصد الانحطاط السياسي، الذي ينعكس سلبا على وجود الفرد، فهو إذن أدب مضاد، وأدب ثورة، يهدف إلى تعرية السلطة، متخذة على عاتقها التوثيق. أنماطه هي:

  • الشعر، وقد كتب فيه كبار الشعراء ومنهم، يحيى السماوي في ديوانه (ملحمة التكتك)، وحازم رشك التميمي، وقد طبع ديوانا بعنوان (إيقاع التكتك)، وهناك مجموعة شعرية، بعنوان (مرايا وطن نصوص وقصائد بابلية لانتفاضة تشرين)، لشعراء متعددين، أشرف على تأليفها اتحاد الأدباء والكتاب في بابل، وللأمانة أن هذه هي المجموعة الأولى في هذا المضمار الشعري.

لم تمل هذه الكتابات الشعرية إلى الطول، بل قصير أغلبها، وعلى شكل مقطوعات شعرية، لا

 

تتجاوز البيتين والثلاثة، تتوزع على شعر التفعلية، والعمودي.

  • والرواية، كتبت فيها الروائية وفاء عبد الرزاق رواية بعنوان (تشرين)، طبعتها دار افاتار للطباعة والنشر، ناقشت فيها أحلام الشباب، بفرص عمل، وقادة شعارهم العدل، وبمجتمع لا ينتمي إلى الزمن الضائع، بلغة عالية، ومجازات جاذبة، وخيال جامح. وقد كتبت السيدة ختام صافي الياسري ما يقترب من الرواية بعنوان (رحال عمر سعدون)،طبعت في بغداد في دار جسد، فيها مواصفات الخاطرة الأدبية، وفيها مواصفات الرواية، وفيها مزية التدوين والسيرة الذاتية، وما يجعلني متعدد التصنيف لها، أنها جاءت بفصول تسعة/منفصلة، ولكل فصل موضوع، من دون عنوان، يمثل رحلة من رحلات روح عمر سعدون في بيت أهله، وفي ساحة الحبوبي، وفي الجنة مع رفاقه الشهداء، والشهيدات، وتكاد تكون فكرتها مستوحاة من رواية فرانكشتاين في بغداد، إذ جعلت الشخصية تطوف في رحاب المكان الذي جرى فيه اغتيال عمر سعدون وهو الناصرية، شهيد ثورة اكتوبر عام 2019مسيحية.
  • والقصة القصيرة جدا، وقد عجت مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الجنس الأدبي التشريني، في المسار نفسه، من جهة الموضوعات، والمقاصد، ولم يتناه إلى أسماعي طباعة مجموعة مستقلة.
  • الكتابة المسرحية، فقد قدمت عروض مسرحية متعددة في ساحات الاحتجاج، ودُرس بعض منها في الكتاب الذي حررته عن خطاب تشرين، وطبعته في دار دجلة العراقية2020م.

 

ومما تنماز به هذه الجنبة الأدبية التشرينية، صياغة العنوان، إذ مالت بعض العنوانات الشعرية نحو: الكناية، والترميز، ومنها: ملحمة التكتك، وايقاع التكتك، ومرايا وطن. بينما حمل عنوان الروايات التصريحية في صياغته، ومنها عنوان رواية (تشرين). بينما جاء عنوان (رحَّال عمر سعدون) محتاجا إلى الجنبة التأويلية البسيطة، والمعرفة المسبقة، بين الكاتب والمتلقي، إذا ما أراد الكاتب أن يذيع نصه في بيئة قراءة خارج دائرة النسق الاجتماعي الذي جرى فيه تأليف النص، فقد يجهل القارئ العربي العنوان الفرعي (عمر سعدون)، ومما يساعد على الفهم، وعدمه، صورة الغلاف المرفقة على وجه الكتاب، وقفاه؛ إذ أرفقت الياسري صورة عمر مبتسما، وبقصة شعر عصرية، مما يساعد المتلقي على الغوص في مضمون النص، وفي حال أخرى يلبس عليه إذا كان خارج الزمكان العراقي، التشريني.

إجمالا ليس بوسع المتلقي فهم العتبة، إلا بموازاة النص المكتوب، واتمامه، إذ ينبأ النص عن سمة العنوان، فيمكن إسقاط المنوال العام للنص على ثريا النص، بعد أن أصنف هذا النص بأنه نص حواري، ونص ميداني، على أساس استكشاف الكاتب الحقيقي، والميداني لطبائع الشهيد المغدور عمر سعدون، وسيرة حياته، وسيرة حياة أفراد عائلته، وتفاصيل بيتهم، وعيشهم، فأخذت بتدوين ذلك في نصها مع مزجه بروح خيالية قليلة، بعد أن طافت الروح الشهيدة في البيت من جديد، مارست حياتها، فتؤدي هذه الميدانية عند الكاتبة، وجمع الداتا من عائلته، ومن ساحات التظاهر،

 

ومراقبة أحداثها إلى أن تشم الكتابة رائحة السيرة الذاتية لعمر سعدون

تكشف القراءة التامة لـ(رحّال عمر سعدون)،أن العنوان ذو حمولة مكثفة للمضامين الواردة فيه، فبالوظيفة التأملية للثريا، يتضح أن العنوان مساحة مصغرة، أو نص مصغر، شفراته القراءة، والاستيعاب، بعيدا عن الوضوح، وممارسة الوظيفة التأويلية للثريا، فيرتبط العنوان بمضمون النص، وتجعل القارئ أيا كان نوعه، ناقدا، على وفق ربطه العنوان بالمضمون، وتتضح التكاملية بين العنوان والنص عبر معول السياحة في فصول الكتاب العشرة، التي تصدر كل فصل منها بيت شعري، أو قطعة نثرية، فمنها لسركون بولص، وعلي أجود ذلك الشاب الشاعر اليافع، ابن أجود مجبل الفحل الشعري الحديث، أو لعدنان الصائغ، ولست بصدد مناقشة هذا التصدير، والتطريز الذي تبغي منه الكاتبة شد المتلقي ولاسيما ورود بعض من هذه العتبات الموازية بلغة محكية.

المهم أن عنوان الياسري لا يشي بالنص، ولا يبرز محتواه قبل القراءة، الميسورة، في حدود أن النص لغته بسيطة، وقليلة المجازية، وطابعها يبتعد عن الترميز، وقد تقع الكاتبة في هنات قواعدية أحيانا تجعل القارئ حزينا، فيكون عنوانها مبتعدا عن الوظيفة الإخبارية للنص، التي مفادها الإخبار عن محتوى النص، وقضيته بعيدا عن الكد التأويلي، ثم يمكن الحكم على وظيفة العنوان أنها وظيفة دلالية، تشير إلى بعض الدلالات في النص، في حدود التسييق النصي بين القارئ والمنتج، فبعض كبير منا يعلم قصة عمر سعدون، وقصة اغتياله المؤلمة.

التعليقات مغلقة.