موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

الاعلام الحسيني بين الشعائر والمعاصرة

الاعلام الحسيني بين الشعائر والمعاصرة

هيثم محسن الجاسم – العراق

   كل عام يحيي شيعة أهل البيت ذكرى استشهاد سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام. بإقامة مراسيم العزاء التقليدية وممارسة بعض الطقوس الحسينية لعشرة أيام متواصلة تتشح بالسواد وتنتهي بإراقة الدماء في ليلة العاشر من محرم عشية استشهاد الحسين بن علي ع في رمضاء كربلاء بيوم خالد يوم الطف العظيم.

وهذا ما يطلق عليه عرفا بالشعائر الحسينية وهي مجموع ما يمارس من أعمال تعبر عن كبر الوجع والألم المتراكم في قلوب محبي أهل البيت ع.

 بينما يرى باحثون في هذا المجال منهم العلامة منير الخباز أن الشعيرة أُخِذَت من الشعار – أي: من الإعلام – فكل وسيلة إعلامية فهي شعيرة من الشعائر. أنت عندما تكتب كتابًا في الحسين فهذه شعيرة من الشعائر، عندما تفتح قناة تتحدث عن الحسين فهذه شعيرة من الشعائر، كل

وسيلة إعلامية تحمل اسم الحسين فهي شعيرةٌ من الشعائر الحسينية.

ومن خلال تلك النظرة المعاصرة لتعريف الشعيرة نجد أن العالم لكي يدرك مضامين ومحتوى الثورة الحسينية وأبعادها الفكرية والاصلاحية وأثرها المكاني والزماني كإشعاع حضاري يجب أن يتحول الاعلام الحسيني الى أدوات جديدة مؤثرة وموصلة باستخدام وسائل الاتصال المعاصرة من تكنولوجيا متقدمة في مجال الاعلام كالأقمار الصناعية ووسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الالكترونية بالإضافة للوسائل التعبيرية  كالسينما والمسرح والفيديو والتشكيلية من رسم وخط والموسيقية كالموشحات والرثائيات وكل الفنون الجمالية الشعورية واللاشعورية التي تلامس العواطف والعقول الانسانية لكي تصل لكل العالم وبلغاتها وأدواتها الحسية والجمالية لإيصال الابعاد مجتمعة للنهضة الحسينية.

(الاعلام الحسيني ذي التأثير الإستراتيجي الممتد عبر التاريخ والذي استمد جوهر تأثيره من الكاريزما الحسينية المقدسة وبما له عليه السلام من شخصية شريفة وجذابة وملهمة وأخاذة وحضور فاعل وفريد من نوعه).

ولضمان كمال عملنا الاعلامي بوفرة الوسائل المعاصرة يجب أن نكون حسينيين قلبا وقالبا حتي نقطف ثمار ناضجة لا يجد المتلقي عسرا أو ضعفا في رسالتنا المنشودة  باستلهام الدروس المستنبطة من النهضة الحسينية أي ان ايماننا عميقا بالمبادئ الحسينية حتى لا نتعامل معها كأنها مادة لتزجية الوقت والحوار الاعلامي التقليدي بالأمور العامة بل تعمل المبادئ بعد تلقيها بعقل وقلب المتلقي لينهل المزيد ليصل الى مستويات عالية من الإدراك والوعي لأبعاد الثورة الحسينية والاستفادة من دروسها  بالإصلاح ومجالدة الظلم والطغيان من اجل حياة الانسان الحرة والكريمة .

(ان المؤرخين وارباب المقاتل يصنفون عاشوراء الى جزءين تكون مسيرة الركب الحسيني الجزء الثاني والمكمل للجزء الاول الذي ينتهي بظهيرة يوم عاشوراء)

دروس في التضحية   

ونستعين بأنوار الاعلام الحسيني ابتداء من الامام الحسين ع وهو ينصح ويرشد ويوجه كلا المعسكرين من اصحابه ومن معسكر عبيد الله ويحذر من غضب الله وكلها دروسا عملية بالإيمان والتضحية ومكارم الاخلاق

بزخمها العابر للزمان والمكان ليشمل الكون كله.

ثم دور العقيلة زينب عليها السلام بإثراء الاعلام الحسيني في مخاطبة الناس في الكوفة بكشف سر الخدعة التي اضلهم بها أعلام يزيد الاموي حتى قاتلوا الحسين ونزول البلاء عليهم عاجلا او اجلا وشعورهم بالخزي والعار لفعلتهم الشنعاء بقتل اهل البيت الكرام “ألا‌ سـاء ما قدمت لكم أنفسكم أن‌ سخط‌ اللّه عليكم‌ وفي‌ العذاب‌ أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون‌ إي واللّه فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد ذهـبتم بـعارها وشنارها، و لن ترحضوها بغسل بعدها أبـدا‌ وأنّى‌ تـرحضون قتل سليل خـاتم الأنـبياء وسيد‌ شباب‌ أهل‌ الجـنة‌ ومـلاذ‌ خيرتكم ومفزع نازلتكم‌،… أتدرون‌ أي كبد لرسول اللّه فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي حريم له‌ أصبتم؟ وأي‌ حـرمة‌ له انتهكتم؟ لقد جـئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن‌ منه‌، وتـنشق‌ الأرض، وتخر‌ الجـبال‌ هـدّا”.

…  ثم مخاطبة يزيد بجرأة وشجاعة لا تجدها الا في بيت النبوة.  فنرى‌ زينب عليها السلام تخاطب يزيدا في مجلسه قائلة: “أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول اللّه سبايا، قـد هـتكت ستورهن،

 وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى‌ بلد‌، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن مـن حـماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مـراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من‌ دماء‌ الشهداء”.

 خطاب السجاد ع

واخيرا لابد من وقفة جادة مع الامام السجاد ع الذي شهد الطف وهو عليل وعاش لحظاته القاسية بمقتل أبيه وعمه وأولاد عمومته وهتك حرم رسول الله وبسالة وايمان اصحاب الحسين بالدفاع عن المبادئ المحمدية الاصيلة، ثم السبي وعرض آل البيت عليهم السلام بالمدن والقصبات حتى الشام. وأستغل الامام الفرص المتاحة بمخاطبة الناس بالكوفة ثم مخاطبة يزيد واهل الشام ومحاورتهم وتجسد كل ذلك بثلاثة اساليب اعتمدها في مهمته الاعلامية للتعريف بالقضية الحسينية وابعادها الروحية والفكرية والاجتماعية. ففي مخاطبة الجماهير شرح أهداف خروج الامام الحسين ع على الطاغية يزيد، وعظم الثورة واهدافها بقوله “”أيها الناس، أعطينا ستًا وفضّلنا بسبع، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضّلنا بأن منا

المختار، ومنا الكرار، ومنا الطيار، ومنا حمزة سيد الشهداء، ومنا سبط هذه الأمة الحسن والحسين“، اما اسلوبه الحواري فكان يريد منه أيصال صوت أبيه الحسين ع للعامة والخاصة ومن حوار له في الشام حين اذن المؤذن، التفت الامام السجاد ليزيد وأحرجه حتى عجز عن تحر أي جواب ليرد على الامــــــــام ع “: يا يزيد، محمد جدي أم جدك؟ إن قلتَ: جدك، كذبتَ، وإن قلتَ: جدي، فكيف أبدت عترته، وقتلتَ أهل بيته شر قتلة؟

 واما اسلوبه الاعلامي الثالث فكان يستمده من حزنه الابدي الذي استقر بقلبه ولا يفارقه حتى ابكاه أكثر من عشرين عاما أي بعواطف متأججة لا تخمد أوارها وكان يرى في كل مكان ودموعه لا تفارقه. فاذا مر بسوق الجزارين ويراهم يسقون الشاة الماء قبل ذبحها فيتذكر الحسين ذبح عطشانا برمضاء كربلاء، وغيرها من المواقف اليومية التي يشاهده الناس عليها فيحزنون لحزنه وإذا جهلوا قال لهم لقد ذبح ابي الحسين عطشان! وكان على هذه الحال يأجج عواطف الناس لإيصال عظم مصيبة ابيه سيد الشهداء ع في واقعة كربلاء.

   هذه الصور الثلاث للإعلام الحسيني تسعف المتطلع لتحقيق تقدما بعمله الاعلامي

في مجال الصفحات المشرقة بالتاريخ الاسلامي ولكن تحتاج الى كوادر مؤمنة وخبيرة بعملها المهني والتقني في ايصال الرسالة الحسينية للعالم اعلاميا بشكل يوقع الاثر العقلي والعاطفي فيهم بعيدا عن الخزعبلات والخرافات التي تشويه النهضة الحسينية والتي يعمل عليها الاعلام المضاد والمعادي للإسلام.

الامام الحسين بين الشهادة وتأسيس الدولة

    ذهب كثير من الباحثين والمحققين الاسلامين الى اتجاهيين في تحليل الثورة الحسينية، بعضهم رأى ان الحسين ع كان يعلم بشهادته واقبل عليها والبعض الاخر رأى ان الحسين ع ذهب ليؤسس دولة اسلامية وفق نهج جده المصطفى ص بعد الانحراف الكبير وذلك بإفساد عقول الناس من قبل معاوية وطلب البيعة لابنه يزيد بتوريث الحكم.

    اما الراي الاول قد استند في تحليله الى اقوال وخطب للإمام عشية سفره للعراق ومنها في خطبةٍ للحسين عليه السلام بمكة المكرمة في الثامن من ذي الحجة بين أهله وأصحابه، قال: ((خُطّ الموت على وُلد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها

عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلاء، فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً، وأجربةً سُغبَاً، لا محيص عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين… مَن كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحلٌ مصبحاً إن شاء الله)).

وان الامام كان عالما بقتله وطالبا للشهادة. وقد رأى من واجبه ان ينقذ الامة من سباتها وترديها بالضلالة ولابد من ايقاظها واحياء قيم الاسلام فيها بان يضحي بنفسه وصحبه ويقف بوجه يزيد وانصاره ولجأ الى مخاطبة الناس وتنويرهم من اثار التضليل الاعلامي الاموي بخداعهم وتخويفهم.

اما الراي الاخر فاستند الى قوله عليه السلام وغيره من نصوص مماثله: ((وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي صلى الله عليه واله، أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أوْلى بالحقّ، ومَن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين)).

 وان الامام ع عاقد العزم على اقامة دولة الحق بتطبيق

 الاسلام وتقيم حدود الله ومواجه الباطل الممثل بيزيد وسعيه لهلاك الامة بالانحراف عن قيم الاسلام.

هذان الرأيان بحاجة لتقييم اعلامي للوصول لأهداف الثورة الحسينية وابراز اهدافها. ففي كلا الامرين وان اختلف عليهما من الممكن استنباط الدروس والعبر التي اراد الامام ع ان تكون خالدة عبر الزمان فان كانت المخرجات من الشهادة فهي عظيمة تشحذ الهمم والارادات وتحيي الضمير الانساني في سبيل الاقدام على التضحية من اجل المبادئ وافتداء العقيدة والمبدأ بالروح والدم ليعيش الانسان حرا كريما. او كان الامر على اقامة دولة الحق بالثورة على الطغاة والظالمين والخلاص من الفساد والمفسدين وعدم التسليم والركون للإحباط والخوف فتلك رسالة اخرى عظيمة اراد الامام من الناس شعوبا وقبائل ان تؤسس للحق دولة يعيشون فيها بسيادة وكرامة تكفل فيها الحقوق للجميع.

لا نريد ان نخوض بالبحث عن مكامن النهضة الحسينية لأغراض التحقق والبحث حصرا بل نسلط الاضواء عليها لتنوير العالم بأهداف

النهضة الحسينية اعلاميا بالمستوى المطلوب باستخدام كل الامكانيات التكنولوجية في مجال التواصل والاتصال مع

الاخرين. لتبقى النهضة الحسينية خالدة بأهدافها الرسالية وهنا يكون للإعلام رسالة وهدف ولأجله نتوخى من كل مؤسسة واعلامي ان يستمد من اهل البيت الكرام العلم والمعرفة في نشر المبادئ والقيم الانسانية ليكون الاعلام وسيلة تنويرية

 ومعلوماتية بيد الشعوب أكثر منه بيد الحكومات ورجالاتها لتحقيق الامن والسلام وحفظ الامة من الانحراف والاستبداد.

التعليقات مغلقة.