موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

طهاة يُخصصون وقتاً لـ«الخُضرجي والسماك»-وكالة ذي قار


في مزرعة ألبانٍ في مدينة صقلية، يُفصح كورادو اسينزا الذي اشتهر ببوظة الريكوتا والغرانيتا باللوز، عن إعجابه بفرانزو أفضل راعٍ ومنتج جبنة ريكوتا لديه، أثناء قيام الأخير بالحَلب اليدوي كل يوم لأكثر من 500 حيوان، وذلك على نحو جادٍ وصارم من الساعة الثانية والنصف صباحاً حتى منتصف الليل؛ لقد كان الطاهي الإيطالي محقاً عندما قال: «المكونات لا تكون جيدة إن لم يكن الشخص الذي ينتجها جيداً».

ومما قاله أيضاً في مقابلة تلفزيونية سابقة: «إن من واجبي أن أعدّ بوظة مثالية ما دام فرانزو يقدم لي ريكوتا رائعة، يؤسفني للغاية أن العامة لا تعرف شيئاً عن عمله، لذا عرّفت أصدقائي من طهاة المعجنات والبيتزا على منتجاته، وهم يشترون الآن من أجبانه».

اللطيف في الأمر أن الراعي ممتن لصنيع صاحب مقهى سيسليا الشهير، إلا أن الرجل أثبت وفاءه مجدداً برده عليه: «أنا من يجب أن أشكرك باستمرار».

قد يُظهر بعض الطهاة وجودهم في الميدان للوقوف على أدق التفاصيل التي تتصل بإنتاج المكونات المستخدمة في أطباقهم؛ ويحدث أحياناً ذلك من باب الدعاية ليس إلا، وفي المقابل هناك من يهتمون بالأمر حقاً وينسجون شبكة علاقات متينة مع الجنود المجهولين كما فعل كورادو؛ الذي أدرك باكراً أن التقصي حول المكونات ومصادرها المميزة كفيلٌ بتحضير أطباقٍ كلها حب.

– المُتابعة مسؤوليتنا

في فندق ماريوت العليا بمدينة الرياض، يُشهد لـ«الشيف التنفيذي» حرصه على استخدام مكونات بجودة عالية بعد أن يتفحصها ما أمكن بكل حواسه؛ فيقلبها ويلمسها ويشمّها ويتذوقها جيداً.

يقول الطاهي الأردني عمر العزة لـ«الشرق الأوسط»: «يهمني أن أنتقي مكونات عضوية زُرعت بشكل جيد؛ وعادةً ما أتعامل مع موردين يعتمدون على طرق إنتاج بتقنية حديثة، أما اللحوم فأحاول التحقق من مصادرها وطبيعة المزارع التي تربت فيها؛ وبطبيعة الحال لون اللحم مؤشر مهم للجودة، وبشكلٍ عام أفضّل التعامل مع مزارع وأصحاب مراعٍ بعينهم».

ويتسوق عمر غالباً بنفسه للحصول على أفضل المكونات لوصفاته وبسعر جيد ليوفر الوقت الذي سيشرح فيه للموردين بشأن ما يريده من مشتريات، يقول: «أستمتع بالتسوق لا سيما حين أتخيل المكونات التي أختارها بعناية بشكلها النهائي بعد طبخها، والفضول يحذوني لأعرف رأي الزبون بغنى الطبق المقدَم له».

وينصح كل من يعملون في مجال الطعام سواء كانوا طهاة أو هواة أو حتى ربات البيوت، بأن يكونوا جادين في تخصيص وقتٍ للبحث عن مكونات طازجة قدر الإمكان والتأكد من سلامتها وتفحص قيمتها الغذائية وفترة صلاحيتها.

ومن المثير للاهتمام أن الشيف عمر قبل اعتماده للموردين يذهب إلى الحقول والمراعي وكذلك المصانع للاطمئنان إلى أن عملية الإنتاج تسير على خير ما يرام، مردفاً بالقول: «شخصياً زرت عدة دول مثل ألمانيا وإسبانيا وتركيا والإمارات وغيرها، لأن متابعة حيثيات الجودة مسؤولية كبيرة».

سوسن أبو الجبين سيدة فلسطينية تعيش في مدينة الكويت، بعد تقاعدها أنشأت صفحة «بيت المطبخ» على موقع «إنستغرام»، وشرعت في تنظيم دورات لتعليم الطبخ؛ تمضي وقتاً جميلاً أثناء التجول بين الأرفف في مراكز التسوق، فيما تستمع بالمشي بين أزقة بعض الشوارع حين تشتمّ رائحة النعناع البلدي والكيوي الأسترالي والزعتر الفلسطيني، «لولا ذلك كيف سيُطلق العنان لمخيلتي لأنطلق بحماسٍ إلى مطبخي!».

وبمرح تغني «المرأة اليافاوية» لطبق الفول الأخضر باللبن مع قدحة الثوم والكزبرة «جميل جمال مالوش مثال»؛ فحنينها لا ينتهي إلى أكلات زمان؛ ولعل أمثال سوسن ليس من الصعب عليهم تأسيس قائمة بأفضل «الخضرجية» و«السمّاكين» بائعي الخضار والسمك – مثل صديقها الصياد محمد البنغالي الذي تبرق له التحية، فهؤلاء يمنحونها معاملة، خصوصاً في الأسعار ويعرفون طلبها.

تقول: «التسوق يساعدني في وضع خطة اليوم بشأن ما سأطهوه لعائلتي أو ضيوفي، عندما أرى خضاراً يُباع في موسمه، فإنه يُغريني بفكرة تحضير صنف بعينه، وفي الخضار على وجه الخصوص يهمني أن أعرف مصدره، وفي أي أرض أثمر لأن ثمة أطباقاً يفُضل أن نعدّها من خضار لبلاد محددة».

ولا تنفك عن نصح الفتيات اللاتي يشتركن في دروسها: «أطيب شي إنه تجيبي الخضرة طازة وما تطولي عليهم عشان يضل لونهم وطعمهم بشهي»، وتوصيهن بالعمل بالمثل الشعبي «أول الثمار بطوّل الأعمار»، كناية عن تناولها وطبخها في موسمها.

– النكهة البلدية

شوكولاته برائحة فلسطين؛ تمسّد أنامل ريم شهاب على كل قطعة منها التي لاقت شهرةً مؤخراً بعد أن استخدمت فيها الأعشاب الطبيعية، هذه الطاهية عاشقةٌ للروائح العطرة مثل الميرمية والريحان وإكليل الجبل والزعتر، وتلك أبرز المكونات في معزوفتها؛ إذ تهتم بأدق تفاصيل عملها وتتولى بنفسها مهمة اختيار الأعشاب العطرية من أماكن معينة وقبل شرائها تُمعن في السؤال عن إجراءات تخزينها.

تتحدث عن معاييرها في الاختيار، قائلةً: «نكهة العُشبة البلدية مميزة ورائحتها كذلك، وحتى أضمن ذلك على الدوام فإنني أتحرّى عن موسم قطافها وما شابه، وأتعاون مع أصدقاء في قريتي عقريا التي تتبع إلى مدينة نابلس، وبدورهم يشرفون على قطف الأعشاب العطرية الطازجة».

تحبس أنفاسها عندما تحاول وصف الطاهي؛ فعين ريم ترى بشكلٍ مختلف هذا الشخص الذي آواه مطبخٌ يضج بالأواني ومعدات الطعام؛ «إنه إنسان يقوده إحساسٌ مرهف وحواس خاصة، وعلى إيقاعها تتناغم الخضار والمكونات المنتقاة بين يديه، ليرسم في تلك الأثناء لوحة الطعام التي يرغب في رؤيتها بعد قليل؛ بالمختصر؛ انتقاء الأعشاب العطرية أو المنكهات والتلاعب بها بطريقة خارجة عن المألوف يُحددان مهارة الشيف وروحه».

أما عفاف صاحبة مدونة «مستكة» للمعجنات والحلويات، فالطعام في مجمله يجعل وقت الفتاة السعودية ممتعاً سواء في التحضير أو التسوق لأجل سفرة طعام مشرفّة.

المكونات التي تجلبها من المَزارع تُودع سرها في الوصفات فتهبها جمالاً؛ تِبعاً لقولها؛ وتحكي في هذا الصدد: «كان القمح العضوي السعودي يصل إليّ مباشرة من المزارعين، وحالياً اللحوم الحمراء والخضروات والتمور غالباً تصل إلي من المزارع مباشرة، ولله الحمد».

ومما يُحَسب لمدونة «مستكة» أن المكونات توثق مع بدائلها، بحيث تكون في متناول الجميع وبأعلى جودةٍ ممكنة، مع العلم أن الأجود ليس بالضرورة أن يكون غالياً أو مستورداً، المهم أن يراعي السلامة الغذائية؛ تقول عفاف.

وعلاوةً على الجودة وبحكم الخبرة صار بمقدورها اختيار الأنسب وفقاً للوصفة، تشرح بالقول: «كل نوع من أنواع الدقيق أختاره بحسب نسبة البروتين فيه المُبينة على كيس الطحين، ذلك أن أعلى من 11 في المائة مناسب للخبز وأقل من 10 في المائة مناسب للكيك، والأمر نفسه في اختيار الزبدة؛ علينا التدقيق في نسبة دهونها مع مراعاة التمييز بينها وبين المارجرين أو الزبدة النباتية».

– السلامة الغذائية

نسرين رحال؛ مصورة طعام من فلسطين، تكشّفت لها موهبتها في الطبخ بعد إقامتها في دولة الإمارات؛ ومنذ ذلك الحين لم تتوقف عن التغني بجمال الأطباق العربية بواسطة تصويرها.

تتريث نسرين أثناء تسوقها في اختيار الخضار واللحوم، ولا تتنازل عن أولوية الجودة العالية؛ وكلما وقعت عينها على الفواكه في أسواق الخضار انشرح قلبها ورددّ تعبير العامة «أشكال وألوان» لتنشط مخيلتها في التفكير بلمسات التزيين، ما يضفي رونقاً أخّاذاً على صورها.

وتوضح بالقول: «اللمعان في مظهر الخضار مهم للغاية؛ فكلما كانت طازجة وألوانها نضرة منحت الصورة بهاءً وفتحت الشهية وأعطت انطباعاً جيداً لعين المتلقي لتناديه إلى تجريب الطبق»، بحسب قولها.

وبمثالٍ بسيط تخبرنا نسرين: «لو أضفنا إلى كوب الشاي وريقات نعناع أخضره يانع سننتعش لأنه (بفِتح النفس)؛ والعكس صحيح إن وضعنا نعناعاً باهت اللون يوشك على الذبول، أرى أن مصور الطعام الذي يقع تنسيق الأطباق على عاتقه يتوجب أن يفطن لهذه المسألة ويكلف نفسه عناء البحث عن أفضل مكون».

بالانتقال إلى الغزّاوية التي اقتحمت عَالم الطهي حديثاً؛ رولا القيشاوي، وصاحبة كتاب «أكلات ووصفات» الذي يضم بين دفتيه جانباً من المطبخ التراثي، فإن الحصول على أطباق صحية وطعم مدهش لا يتأتى من دون انتقاء مكونات جودتها عالية؛ وفق تعبيرها.

ما استطاعت؛ تتذوق رولا مما تشتريه مثل البهارات لتقيس مدى جدّتها وجودة طعمها، فيما تتحقق من تاريخ الصلاحية وعلى وجه الخصوص في العروض الشرائية واللحوم المجمدة.

وثمة أمور تراعيها عند شراء اللحوم البيضاء والحمراء، فلا بد أن تكون حمرة لونها تميل إلى الوردي بعيداً عن الرمادي أو البني، وشكلها متماسك وسطحها متساوٍ وغير رخوة ورائحتها طبيعية، كما تنظر في الثمار إن كان قوامها متماسكاً وخالياً من البقع أو البراعم، أو أي أثر لمبيدات ضارة، ناهيك بالرائحة الزكية.

وتشجع الطهاة علي التبضع بأنفسهم عوضاً عن الاعتماد على الموردين، موضحة وجهة نظرها: «كلٌ منا أدرى باحتياجاته وما يلزمه لتحضير وصفاته، والخبرة تسعفنا في اختيار البدائل الأفضل في حال عدم توفر المكونات المطلوبة، بخلاف مُورد لن يعرف مرادنا على أي حال، فيما الربح هدفه الأول على الأرجح».

وفي السياق نفسه، تشير إلى أنه إذا اضُطر الأمر للاعتماد على الموردين بسبب ضيق الوقت، فلا بد أن يتحلوا بالمصداقية على أن يتم إعطاؤهم المواصفات والشروط بدقة، ويا حبذا بزيارات دورية لأصحاب المزارع والمراعي؛ مع توخي الحذر من أدنى احتمال للتهاون بالسلامة الغذائية ربما يودي – لا قدّر الله – إلى حدوث حالات تسمم؛ والكلام لرولا.

وفي سؤالها عن مدى توفر المكونات بجودة عالية في قطاع غزة المحاصر؛ قالت لـ«الشرق الأوسط» إنه على الرغم من الحصار المطبق على غزة فإنها وبفضل الله، تُعد غنية بالموارد الطبيعية مثل الأراضي الزراعية وخيرات البحر، «عندما نتعرض لنقصٍ في بعض المكونات نلجأ إلى بدائلٍ تفي بالغرض».

«ماذا إن لم تفِ بالغرض!»… أسألها فتجيب: «ثمة مكونات حيوية يتوفر منها فقط أنواع ليست موثوقة بما يكفي على صعيد الجودة أو قد لا تتوفر من الأساس في السوق المحلية، مثل كريمة الطبخ والحليب المحلي والمايونيز وبعض الصلصات والأجبان الكريمية وبعض التوابل، عندئذٍ لا مفر من تحضيرها في المنزل وبنتيجة مُرضية، ويصبح هذا الخيار مُلحاً في حال كانت الطلبيات بكميات كبيرة مع عدم إغفال أن أسعار بعض المكونات – إن توفرت – مرتفعة».





المصدر

التعليقات مغلقة.