موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

الحساء من أقدم الأطباق في العالم ويتصدر مائدة رمضان-وكالة ذي قار


طرق مبتكرة لإعداد أطباق تتنافس فيها الحريرية والفِريك

من منّا لا يشتهي تذوق حساء تنبعث منه رائحة مزيج ذائب من المكونات تغازل الخيال وتثير الشهية؟ فليس الطعم الشهي هو السر وراء أنه طبق أساسي على سفرة رمضان، يمتاز بفوائده الجمّة، بقدر ما يوصف بأنه مقوٍّ لجدار المعدة.

مئات الوصفات حول العالم، كلٌّ منها يمثّل شعبه، لكن لكل بلد ثقافته الخاصة وأسراره لطهي الأكلات الشعبية، خصوصاً الحساء. تقول جانيت كلاركسون، مؤلفة كتاب «الحساء: تاريخ عالمي»، إن الحساء هو أحد أقدم الأطعمة وأكثرها انتشاراً في العالم.

وتضيف في كتابها: «كل ثقافة لديها نوع من الحساء له جذور قديمة للغاية». وذكرت خلال رحلة بحثها عن تاريخ الحساء أن الأجداد كانوا يطبخون كل شيء، بدايةً من أصداف السلاحف إلى أعواد الخيزران في الحساء.

قديماً، ساعد الحساء على ظهور ثقافة غلْي الطعام، ما أسهم في طهي الحبوب والأعشاب معاً بهدف التغذية وللأغراض الطبية. هناك ثلاثة مسميات لهذا الطبق تعتمد على شكل وقوام المكونات الرئيسية، عُرف قديماً بـ«الحساء» ثم ظهرت كلمة «مرق» مع اختلاف المكون الرئيسي من الحبوب والأعشاب إلى اللحوم، ثم عُرف «اليخني»، وهو أيضاً شكل من الحساء لكنه يحتوي على بعض المكونات الصلبة… الأصل في تحضير الحساء مهماً اختلفت التسمية هو «فقط بعض الأشياء تُطهى في الماء، ليصبح الماء منكهاً بمذاق ما يحتويه».

وعن الحساء، تقول الطاهية المصرية دينا حمدي لـ«الشرق الأوسط»: «إنها الطريقة الشهية لتعزيز المناعة، لذلك أفضل أنواع الحساء الصحية، لا سيما بعد جائحة (كورونا)، هو حساء الخضراوات، ليس لقيمته الغذائية فحسب وإنما مذاقه الشهيّ المتنوع يجعله خياراً مناسباً». وتضيف: «أميل للحساء المجهّز بطريقة (البيريه) أو المزج، على طريقة حساء العدس، والقرع، والبطاطس، وبالتالي فإن جميع الخضراوات يمكن تقديمها بهذه الطريقة».

وتضيف دينا: «إن هذا الصنف من الحساء الأعلى من حيث القيمة الغذائية، فضلاً عن المذاق الطيب والقوام الكريمي»، كذلك «يسمح الحساء (البيريه) بالتنوع والابتكار، فهو باختصار مجموعة من الخضراوات المتجانسة مع الماء ومزيج خاص من التوابل ورشّة من الأعشاب الطازجة».

ولأن الشيف دينا صاحبة مشروع إحياء بقايا الطعام، المعنيّ بالحد من الإهدار، كان تفضيلها لحساء «البيريه» له غرض آخر، تقول: «حساء الخضراوات المجهّز بهذه الطريقة هو أفضل وسيلة لاستغلال الخضراوات التي أوشكت على العطب، إذ لاحظت مثلاً أن الطماطم أصبحت ناضجة وربما تفسد قريباً، يمكن أن تُقطع ويضاف إليها زيت الزيتون، وتُترك في الفرن حتى تأخذ مذاقاً مُدخناً، ثم يضاف إليها البصل والثوم والزعتر والنعناع والريحان، وتُخلط جيداً للحصول على أشهى حساء».

لكل بلد ثقافته وحساؤه، وحسب تصنيف لـ«سي إن إن ترافيل»، في مارس (آذار) الماضي، فإن هناك 20 نوع حساء هي الأكثر شعبية على مستوى العالم، ويأتي في المقدمة حساء من المطبخ النيجيري يُعرف باسم «بانجا»، وهو أقرب إلى طريقة (اليخني)، وتميّزه مجموعة التوابل السرية، حتى إنها تباع في الأسواق الكبرى تحت اسم «توابل البانجا».

ثم تتنوع البلدان العشرون بين فرنسا وفيتنام والصين واليابان وأوكرانيا وإسبانيا وإندونيسيا وغيرها، أما الحساء العربي الذي انضم إلى تصنيف «سي إن إن» فيشمل حساء الفريك المعروف في الجزائر وليبيا وتونس، ثم جاء حساء الحريرة، أحد الأطباق الشعبية في المغرب.

وعن أغرب أنواع الحساء تقول الطاهية دينا: «تناولت خلال سفراتي أنواعاً وأطباقاً كثيرة، أغربها كان حساء الجازباتشو، وهي وصفة إسبانية شهيرة يميّزها عن غيرها من الوصفات أنها تُقدم باردة، وتتكون من الخيار والفلفل الألوان، صحيح أن مذاقها شهي، لكنها لا تناسب سفرة رمضان، بينما من الأفضل تقديمها في حفلات الاستقبال».

وتضيف: «بحكم إقامتي في الإمارات أصبحت أكثر إقبالاً على ابتكار أنواع جديدة من حساء الخضراوات، بفضل تنوع الأصناف المتوفرة في السوق الإماراتية، مثلاً، أجهّز حساء من الكرنب الصيني على طريقتي الخاصة، كذلك مزيج البصل الأخضر مع خضراوات مثل البطاطس والكوسا».

دفعت جائحة «كورونا» إلى مزيد من الاهتمام بطبق الحساء، انطلاقاً من أنه فرصة لتقديم حصة من الخضراوات والأعشاب والتوابل المُعزِّزة لجهاز المناعة.

وتقول دينا إن من مِنح الجائحة التي نعيشها أنها جعلت المواطنين يعون أهمية ما يأكلون، وأصبحت القيمة الغذائية للأطباق أولوية، وباتت المغذيات الطبيعية غرضاً أساسياً عند تحضير الطبق، ومن ثم لا نجد أفضل من الحساء القائم على الخضراوات كأساس والمزين بالأعشاب والتوابل كدفعة معزِّزة للمناعة وحائط صد أمام الفيروس».

وتنصح: «لن تجد طبقاً لإضافة توابل مثل الكركم والزنجبيل أفضل من الحساء، فهو فرصة لتعزيز القيمة الغذائية وإضفاء مذاق مميز».

من أنواع الحساء أيضاً التي جاءت على قائمة تفضيلات الطاهية المصرية، حساء العظام، أو كما يُعرف في الشرق الأوسط باسم «الكوارع»، وتقول عنها دينا: «صحيح أن جيل الألفية لا يفضلها وربما لا يعرفها، لكنه حساء عصري يناسب كل وقت، لن نجد أفضل من (الكوارع) وصفة لتعزيز صحة البشرة، وعلاج مشكلات المفاصل، فهي من أفضل الأطعمة التي تمدّ الجسم بالكولاجين الذي يُفقد مع العمر، لذلك أعدّها إكسير الشباب».

وعلى سفرة رمضان، اختارت دينا أن تشاركنا حساء البصل الأخضر، وتقول: «إنه عام مميز، جمع بين رمضان وأعياد شم النسيم، وفي الخلفية ما زال (كورونا) حاضراً يهدد بإفساد المشهد، لذا لن أجد أفضل من البصل الأخضر ليكون حاضراً، ليس إلى جوار أطباق السمك المملح، بينما مع زهرات البروكلي الغنية بمضادات الأكسدة».

وحساء البصل الأخضر مكوَّن من البصل المقطع والمقلَّب في قطعة من الزبدة، مع زهرات البروكلي، وثلاثة أكواب من الماء أو المرق، ويُترك المزيج حتى النضج ثم يضاف إليه الملح والفلفل ويُخلط جيداً للحصول على قوام مناسب.

وتنتهي قائلة: «لا مانع من إضافة كريمة الطهي أو الكريمة الحامضة لتعزيز المذاق، لكن الأهم هو تزيين طبق الحساء بقطع البصل الأخضر».






المصدر

التعليقات مغلقة.