موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

«ميديترينيان فودز»… من بيع الفلافل من المنزل إلى أرفف أهم المحلات-وكالة ذي قار


جنان القاضي تقود المسيرة التي بدأها والداها في لندن

وصلت الفلافل إلى العالمية وأصبحت من بين أهم الأطباق التي يعشقها العالم في الشرق والغرب على حد سواء.

استطاعت هذه الأكلة الشعبية أن تتطور وتسافر وتصبح عالمية، دخلت عليها نكهات كثيرة تتوافق مع الذائقة الغربية، تأقلمت ووصلت إلى أهم المحلات التجارية حول العالم.

لم تكن نكهات الفلافل محدودة، ولم تقتصر على الفول والحمص، إنما أضافت نكهات جديدة تماماً مثلما حصل مع طبق الحمص الذي وصل هو الآخر إلى العالمية ويباع في أهم المطاعم ومحلات بيع المواد الغذائية.

«ميديترينيان فودز» من الشركات العربية في المملكة المتحدة التي ساهمت في تطوير الفلافل، ولعبت دوراً كبيراً في إيصالها إلى أهم المتاجر مثل «ستارباكس» و«سابوي» وأكبر محلات السوبرماركت مثل «تيسكو» و«سينسبوريز»… في لندن وضواحيها، ومن معاملها في منطقة «أكسبريدج» وبقيادة سيدة عربية تدعى جنان القاضي استطاعت أن تتحدى المنافسة الكبرى في الأسواق وتنفرد بنكهات فريدة، وضعت القاضي بصمتها الواضحة عليها.

قصة Mediterreanean Foods هي قصة عائلة بدأت على نحو متواضع عام 1996 على يد والدة القاضي وأحد جيرانها؛ حيث كانا يعدان الفلافل في الفناء الخلفي لمنزل العائلة، وكانا يتوليان تسليمها إلى السوق المحلية للكباب.

في مقابلة لـ«الشرق الأوسط» مع صاحبة ومديرة الشركة جنان القاضي، سردت قصة نجاح الشركة، وقالت: «بدأت والدتي العمل في أوائل الأربعينات من عمرها من أجل ضمان مصدر للدخل، بعد أن قدمت إلى المملكة المتحدة لاجئة. وفي ذلك الحين، كانت مسألة تأسيس شركات ناشئة تنطوي على صعوبات مالية. أما والدتي، فكانت تطهو وتبيع الفلافل التي تعدها، بجانب عملها ممرضة بمجال طب الأسنان، في وقت كانت ما تزال تدرس للحصول على درجة الماجستير في علم الأحياء الدقيقة».

وتابعت القاضي: «انضم والدي، الذي كان طبيباً عاماً مؤهلاً في العراق والجزائر، لاحقاً إلى العمل لدعم والدتي ولإحراز تقدم أكبر ليتحول العمل من البداية المنزلية إلى منشأة التصنيع الفعلية، وكان هذا هو الوقت الذي شهد تدشين شركة البحر المتوسط للأغذية (ميديترينيان فودز)».

ومن خلال العمل كفريق مكون من زوج وزوجة، نجحا في توسيع نطاق النشاط، بحيث لم يعد يقتصر على الفلافل، وإنما امتد لتقديم عبوات البيع بالتجزئة الجاهزة للأكل، من الحمص والتبولة وبابا غنوج وسندويشات الفلافل وغيرها من الأطباق الشعبية في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط.

وتسترجع ذكرياتها، وتقول: «في ذلك الحين، كنت في مرحلة المراهقة وأدرس في المدرسة، ثم أعود إلى المنزل لتقشير البصل وتصميم وطباعة الملصقات لوضعها على عبواتنا. وأتذكر جيداً أن رائحة الطعام كانت تملأ أرجاء المنزل طيلة الوقت، وتملأ عبوات الطعام كل ركن من أركانه».

وبعد أن أنهت القاضي دراستها، ولكونها أكبر أختيها الشقيقين، رأت بوضوح مدى كدّ والديها في العمل ليل نهار من أجل العائلة، فشعرت أنه من واجبها دعمهما ومساعدتهما في العمل، بجانب استغلال شغفها بالتصميم والتسويق، سعياً لإحراز مزيد من التقدم في نطاق البيع بالتجزئة بحيث لا يبقى محصوراً داخل دائرة عرقية محددة، وإنما إضفاء جاذبية أوسع في عيون المستهلك البريطاني بوجه عام.

وتابعت القاضي: «استهدفت سلاسل محلات السوبر ماركت في المملكة المتحدة وزرت العملاء، وببطء أصبحت الشركة معروفة كواجهة للأطعمة المتوسطية. وسعيت نحو الحصول على اعتماد اتحاد التجزئة البريطاني لمنشآتنا في بارك رويال، وكنا من أوائل الشركات الصغيرة التي نالت هذا النوع من الاعتماد في وقت مبكر من تأسيسها».

عام 2012، انتقل المصنع إلى منشآت تصنيع أكبر، وتفسر القاضي هنا: «لإدراكنا لوجود مكان متاح لنا في السوق نتيجة نقص الجهات المصنعة لنوعية الأطعمة الجاهزة التي نقدمها داخل سوق بيع التجزئة. بالفعل، اتخذت خطوة استراتيجية للتركيز على نشاط توفير المكونات السائبة مثل الفلفل والحمص إلى أكبر مصنعي السندويتشات داخل المملكة المتحدة، حيث ستجد منتجاتنا ضمن المكونات التي تعتمد عليها. وبفضل هذه الاستراتيجية، تنامى حجم أعمالنا 3 مرات، وفي عام 2019 تمكن والداي أخيراً من الراحة والتقاعد للاستمتاع بالحياة. ولطالما شكل هذا حافزي الرئيسي».

وفي بداية عملها، ونظراً لكونها امرأة صغيرة في السن للغاية، كان الأمر يمثل تحدياً خاصاً أمامها لاقتحام هذه الصناعة، خاصة مسألة دفع الآخرين لأن يأخذوك على محمل الجد. وفي الغالب، كان العملاء يفترضون أنها عديمة الخبرة وما إلى ذلك… وشعرت أنه يتعين عليها بذل مجهود مضاعف للتركيز على خدمة العملاء والتواصل معهم على نحو أفضل وتعميق معرفتها بمجال العمل واكتساب مزيد من الخبرات فيه. وفي غضون فترة قصيرة، نجحت في اكتساب ثقة العملاء، وكثيراً ما كانوا يطلبون منها النصيحة والاستشارة.

وتقول القاضي بفرح عارم: «في الواقع، أشعر بفخر بالغ لحفاظي حتى يومنا هذا على سمعة شركتنا من حيث الجودة العالية وخدمة العملاء. عندما بدأنا العمل، لم تكن الفلافل معروفة في المملكة المتحدة، وكان عليّ توعية العملاء بكيفية استخدامها وتناولها كبديل لحشو شطائر اللحوم أو مع الحمص، الذي أصبح معروفاً على نطاق واسع في ذلك الوقت. وتمثل التحدي الأكبر مع الفلافل أنه عندما يجري تقديمها باردة، فإن الوصفات التقليدية غالباً ما تكون جافة وغير مناسبة للصناعة التي نخدمها. وبعد ذلك، حلت لحظة الإلهام، وفكرت لماذا لا نعيد تطوير وصفة تقليدية قديمة بحيث تتحول إلى طعام رطب مقبول للمستهلك البريطاني؟ وبحثت في السوق لمعرفة ماهية النكهات الرائجة في ذلك الوقت، وكان هذا هو الوقت الذي شهد ظهور أول فلافل (مختلفة). وأصبحت فلافل الجزرة والكزبرة المنتج (الأول) لي، وتفوقت على الفلافل التقليدية. كانت الفلافل الجديدة طرية، ومن الممكن تناولها ساخنة أو باردة، دون الحاجة إلى جرعة كبيرة من الماء».

وبرأي القاضي، فمزيد من الطهاة التقليديين سوف يطلقون النار عليها من أجل ما أدخلته من تغيير على وصفة قديمة. ومع ذلك، نجحت هذه الاستراتيجية في أعمالها وجذبت بالفعل سوقاً أوسع، وكانت الشركة أول من توسع في هذا النطاق وأول من أضاف البطاطا الحلوة والسبانخ إلى الوصفة.

وبمرور الوقت، زاد شغف جنان بهذه الفئة من الطعام، وتركز دورها بدرجة أكبر على الوصفات وتطوير منتجات جديدة. وحرصت بالفعل على الاستفادة من قدرات المصنع الإنتاجية والتصنيعية وعملت على توسيع نطاق عملها من خلال دمج نكهات شهيرة، مثل باكورا، سعياً لدفع النشاط نحو التيار الرئيسي من السوق.

علاوة على ذلك، طورت نكهات أخرى جديدة مثل الفلفل الأحمر والمحمص والهالابينو المدخن وغير ذلك.

وعن سؤالها عن الوصفة التي طوّرتها، والمفضلة لديها، تقول جنان: «من جانبي، فإن نكهة الفلافل المفضلة لديّ الجزر والكزبرة، يليها (سوبر غرين) فلافل برغر (التي يجري إعدادها من كل شيء أخضر، مثل البازلاء الخضراء والفاصوليا العريضة والسبانخ والبروكلي والفلفل الأخضر). ونتعامل من جانبنا مع بعض أكبر الأسماء بمجال صناعة المواد الغذائية، ومعظمها من الشركات الممتازة التي تخدم تجار التجزئة مثل (تسكو) و(سنسبري) و(موريسون)».

وعن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الشركة، تقول القاضي: «خلال عملنا، واجهنا كثيراً من التحديات، لكن جائحة فيروس (كوفيد 19)، بجانب البريكست، كانا أكبر التحديات الراهنة على الإطلاق، ذلك أن الناس توقفوا عن شراء الأطعمة الجاهزة بسبب غياب السائحين وتوقف الموظفين عن ارتياد المكاتب، (وكانت هذه الفئة الأسرع نمواً قبل تفشي الجائحة). وبسبب القيود التي جرى فرضها لمواجهة الجائحة، تعرضت سوق خدمات الطعام للانهيار، وتوقفت عجلة الاقتصاد.

وبسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، زادت العوائق البيروقراطية أمام تصدير منتجاتنا إلى أوروبا. وأصبحت عملية نقل المنتجات مكلفة وتتعرض للتأخير في الموانئ بسبب إجراءات الفحص الإضافية واختبارات فيروس (كوفيد 19)، التي كان من شأنها الإخفاق في تسليم المنتجات تبعاً للمواعيد الزمنية النهائية المتفق عليها مع العملاء.

بجانب ذلك، ارتفعت تكاليف المكونات والشحن، وارتفعت التكاليف في المجمل أكثر من 8 أضعاف مستويات ما قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما أدى بدوره إلى زيادة تكاليف جميع المنتجات التي نشتريها».

لكن مع ذلك، فهي ما تزال صامدة ومؤمنة بقوة أن ما لا يكسرك، يزيدك قوة.

وختمت اللقاء بالقول: «في الواقع، صناعة المواد الغذائية تعايش بطبيعتها تغييراً مستمراً، ولكي نبقى على قيد الحياة علينا أن نستمر في التحرك والتكيف مع الزمن، وأعتقد أن هناك المزيد أمامنا إنجازه في المستقبل، الأمر الذي يجعلني أشعر بحماس شديد».






المصدر

التعليقات مغلقة.