موقع اخباري عام مستقل معتمد نقابيا

رزان الصوص… من الصيدلة إلى تصنيع الجبن-وكالة ذي قار


لاجئة سورية «تتحدى قبرص» بصنع الحلومي في شمال إنجلترا

من أكثر القراءات التي تشدني هي قصص النجاح، لا سيما العربية منها، إنها قصص تتحول إلى مادة دسمة تتهافت عليها وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

ومن القصص الرائعة المرصعة بالإبداع قصة رزان الصوص اللاجئة السورية التي هربت مع زوجها وأبنائها الثلاثة من الحرب الأهلية في وطنها لتستقر في يوركشير شمالي إنجلترا، ولكن قصة اللاجئة السورية الشابة رزان تعد من بين أجمل قصص النجاح لأنها مبنيّة على العزيمة والإرادة والإبداع وتحدي اليأس الذي يتعرض له كل لاجئ خسر كل شيء ووجد نفسه يشق حياته من جديد ويبدأها في بلاد غريبة وفي وظرف قاهرة لا يفهمها إل ا من عاشها.

رزان الصوص تصدرت الكثير من العناوين بعدما حصل الجبن الذي تصنعه على الجائزة البرونزية، متحديةً بذلك قبرص مصنِّعة جبن الحلوم، واللافت أنها كانت متخصصة في مجال الصيدلة ولا تملك أي خبرة في مجال تصنيع الأجبان، شاء القدر أن تستقر مع عائلتها في يوركشير لتكون قريبة من أحد أفراد العائلة الذي انتقل للعيش هناك منذ زمن طويل.

مجموعة من أصناف أجبان داما لرزان الصوص

وفي مقابلة أجرتها «الشرق الأوسط» مع رزان الصوص عبر الهاتف للتعرف أكثر إلى تلك المرأة والأم الناجحة التي دفعتها المعاناة التي يمر بها كل لاجئ إلى خلق فرصة جديدة تعيل من خلالها عائلتها الصغيرة.

رزان درست الصيدلة ولكنها لم تستطع العمل بهذا المجال بعد وصولها إلى إنجلترا نظراً إلى التعقيدات التي ترافق الشهادات العلمية وصعوبة تعديلها والسماح بالعمل بها.

استهلت رزان حديثها بالقول إن ظروفها المادية حالت دون متابعتها دراستها في إنجلترا لأن الأقساط الجامعية باهظة الثمن وكانت في أمسّ الحاجة للعمل ومساعدة زوجها، قدمت على الكثير من الأشغال من بينها وظائف في مجال التسويق ولكنها وللأسف لم تفلح في الحصول على وظيفة، فكرت ملياً في الخطوة التي يجب عليها اتخاذها لتغيير مسار حياتها فلفتها وهي في إحدى زياراتها للسوبرماركت أن هناك نقصاً في وجود أنواع الجبن الأبيض الذي يشبه النوع الذي تجده على مائدة الشرق أوسطيين وتحديداً في البلدان الشامية، المعروف عنهم حبهم للأجبان وإتقان تصنيعها.

افتقدت رزان جبن الحلوم الذي يُنسب تصنيعه في بريطانيا وأوروبا لقبرص فقط، فقررت أن تقوم ببعض الاختبارات المنزلية لتصنيع الجبن على طريقتها، أخرجت الوصفات من درج ذكرياتها في سوريا وقررت أن تقوم بتصنيع الجبن وتحسين الوصفات إلى أن تحصل على أفضل مذاق، وعندما توصلت إلى الوصفة السحرية التي تخولها خوض معركة السوق واجهتها مشكلة قانون تصنيع المنتجات الذي تدخل فيها الألبان في مطبخ منزلي، فكان لا بد أن تجد حلاً لتعقيدات القوانين الخاصة بتصنيع المواد الغذائية في بريطانيا، فاستعانت رزان بمطبخ مطعم أحد الأقرباء الذي يملك مطعماً لبيع الدجاج ولكنه اضطر لإقفاله بسبب شح العمل، فوافق أن يعير مطبخه ليكون مصنعاً صغيراً لتصنيع جبن الحلوم.

ورداً على سؤال «الشرق الأوسط» عن سبب توجه رزان لتصنيع الجبن في وقت لا تملك فيه أي خبرة في هذا المجال، ومن أين أتتها هذه الفكرة؟ ردت الصوص: «أعيش في مدينة تتوفر فيها الألبان بجودة عالية وبوفرة كبيرة، وأملك الخبرة في مجال العمل في المختبرات فقررت أن أستخدم خبرتي ومعرفتي العلمية في مجال قد يبدو مختلفاً ولكنه في الواقع يتشابه كثيراً».

وهكذا حصل، وبعد عمل دؤوب بمساعدة زوجها استطاعت رزان أن تطلق علامة «داما» للأجبان، وتفادياً لتسمية الجبن بالحلوم بسبب الملاحقة القضائية من قبرص التي تملك الحق الحصري لتصنيع الحلوم، فكرت رزان باسم آخر تصف فيه الجبن دون ذكر اسم «حلوم»، فأطلقت عليها اسم «داما ذا سكويكي تشيز» وهذا التعبير معترف به في بريطانيا ويطلق على الأجبان التي تطلق صوتاً عند أكلها يُعرف بالعامية بالـ«زيزقة»، وبعد أربعة أشهر من بيع الجبن في المزارع المحلية والمحلات التي تبيع المواد الغذائية الراقية المعروفة باسم الـ«ديليز» أرادت رزان خوض المنافسة في مسابقة لاختيار أفضل أنواع الجبن وحصلت على الجائزة البرونزية في مسابقة شارك فيها أكثر من 2000 نوع من الأجبان في قاعة أوليمبيا بلندن، واليوم حصلت علامتها التجارية على 33 جائزة وتعمل حالياً على بيع أجبانها في سلسلة محلات غذائية معروفة في بريطانيا.

ابتكرت رزان الصوص نكهات عديدة في أجبانها فأدخلت حبة البركة والاعشاب اليها

بعد التكلم إلى رزان أدركت أن سبب نجاحها يعود إلى طريقة تفكيرها العلمية المدعومة بدراستها في هذا المجال، فعندما سألتها عن سر نجاح الجبن الذي تصنعه كان ردها علمياً مائة في المائة، فاختصرت الموضوع بالقول إن الحلوم من أنواع الأجبان عالية الانصهار ولا تحتوي على مواد حافظة وتعتمد على الحليب الطازج وعلى أسلوب التعامل مع البكتيريا والمحافظة على الجودة والنوعية في كل مرة.

استطاعت رزان أن توصل اسمها إلى البرلمان البريطاني بحيث تمت مناقشة قضيتها بعدما تلقت رسالة من محامٍ كبير في لندن بالنيابة عن جهات رسمية في قبرص تمنعها من تسمية جبنها بالحلوم، وهنا أبهرتني الصوص باجتهادها والبحث الموسع الذي قامت به لتثبت أن الحلوم ليس حكراً على القبارصة، لا بل إن أصل الجبن عربي و«ألوم» في نهاية الكلمة كان يستعملها الفراعنة لتسمية الجبن، وأضافت بأنها لم تكن تملك المال لتوكيل محامٍ يدافع عنها مما اضطرها للقيام بالبحث والمدافعة عن عملها بنفسها.

ومن الأصناف التي ابتكرتها رزان في مصنعها الذي يعمل فيه حالياً عشرة أشخاص جبن الحلوم مع إكليل الجبل، وصنف آخر مدخن، بالإضافة إلى تشكيلة أطلقت عليها اسم «أرابيكا» تعتمد على النكهات العربية مثل الزعتر وحبة البركة، وابتكرت هذه الأصناف نزولاً على رغبة الأميرة آن ابنة الملكة إليزابيث الثانية فترة زيارتها يوركشير بحيث طلبت من الجهات المنظمة لزيارتها التعرف إلى رزان وتذوق أجبانها ذائعة الصيت.

قصة رزان الصوص تحمل في باطنها مغزى أبعد من نجاح أصناف أجبانها ونكهاتها التي تعبق بذكرياتها في سوريا قبل التهجير، إنما هي ترجمة حرفية للصبر والجهد وعدم اليأس، فهي ثابرت وأخذت على عاتقها مسؤولية معنوية ومادية بعدما قدمت على قرض مالي بقيمة 2500 جنيه إسترليني فتح لها باب التوسع والنجاح والاستمرارية، وبذكائها اللافت حوّلت ماكينة التبريد التي تستخدم في تصنيع البوظة إلى ماكينة لتسخين الحليب، كما استطاعت تقليص كلفة الماكينات اللازمة في مصنعها من خلال تطوير ماكينة لدى الحداد لكبس الجبن بدلاً من شراء واحدة غالية الثمن خاصة بذلك وحولت أيضاً معدات تسخين الطعام على طريقة البوفيه لقولبة الجبن.

ورداً على سؤالنا حول المعاملة التي لاقتها في شمال إنجلترا كونها عربية مسلمة محجبة، فقالت إنها لاقت كل الدعم من سكان منطقتها ومن الكوادر السياسية فيها التي شجعتها على التطور والعمل.






المصدر

التعليقات مغلقة.